حقوق مصر في مياه النيل بموجب النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية
جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تحفظ حق مصر في حصتها من مياه النيل
بنود القانون الدولي واتفاقيات الأنهار الدولية تمنع قيام اي دولة منفردة بالانتقاص من حصص دول المصب
اتفاقيات منظمة الوحدة الأفريقية تمنع إقامة إنشاءات تنال من حصة مصر المائية
الاتفاقيات الثنائية بين مصر ودول المنبع تحظرالقيام بإجراءات تؤثر على كميات المياه الواردة إلى دول المصب
توجد العديد من الاتفاقيات الدولية والجماعية والثنائية التي تحفظ حقوق مصر في مياه النيل ، والتي تمنع دول المنبع من إقامة سدود تنال أو تقلل من حصة الشعب المصري من الكميات الواردة من مياه نهر النيل ، وكذلك تحظر القيام بأي انشطة تنقص من كميات المياه الوادرة إلى دول المصب ” مصر والسودان”، وأولى تلك الاتفاقيات هي قواعد هلسنكى للقانون الدولى التي تتضمن البنود التالية :-
١- تطبيق القواعد العامة للقانون الدولى على استخدام مياه اى حوض مياه اى نهر دولى ما لم ينص على غير ذلك بمقتضى اتفاقية بين دول النهر الدولى.
٢- عرفت الاتفاقية حوض النهر الدولى هو مسطح جغرافى يمتد عبر دولتين أو أكثر وحده حدود تجمع المياه السطحية والجوفية. وعرفت الاتفاقية الدول الحوضية هى الدول التى تشمل أراضيها على جزء من مسار النهر الدولى.
٣- أوضحت الاتفاقية فى مادتها الرابعة أنه يحق لأى دولة من دول الحوض المشترك بأن تتمتع بحصة مناسبة وعادلة فى الاستخدامات المفيدة لمياه حوض النهر الدولى.
٤_ فى المادة الخامسة تحدد الحصص المناسبة وفقا لمدلول المادة الرابعة على اساس العدالة على اساس عوامل محددة مثل عدد السكان فى كل دولة والاحتياجات الضرورية
٥- فى المادة السابعة تمنع قيام أى من الدول الحوضية من حصتها فى مياه الحوض الدولى من دول المنبع على حجة استخدام هذه المياه مستقبلا.
٦- فى المادة الثامنة يؤكد الاستمرار فى الاستخدام القائم ما لم يطرأ طارئ يستوجب تعديل النسب على التراضى بين الأطراف.
وثاني الاتفاقيات التي تحفظ حقوق مصر في مياه النيل هي المبادئ العامة التى أقرها القانون الدولى عام ١٩٦١ ، والتي يتعلق بحقوق وواجبات الدول المشتركة فى الانهار الدولية والتى تتضمن وجوب التعاون فى استغلال مياه النهر الدولى وعدالة التوزيع لمياهه ووجوب التشاور بشأن المشروعات المقترحه ووجوب سداد التعويضات المناسبة عن أى ضرر بسبب سوء استغلال احد الأطراف المُنتفعين على حساب الآخرين وكذلك وجوب تسوية المنازعات بين الدول المنتفعة بالطرق السلمية.
أما ثالث الاتفاقيات والنصوص الدولية التي تحفظ لمصر حصتها في المياه النيلية فهو ما ورد اتفاقية المحافظة على الطبيعة والموارد الطبيعية التي أبرمتها منظمة الوحدة الأفريقية فى الجزائر فى ١٩٦٨ .. وتنص المادة الخامسة من هذه الاتفاقية على أنه حينما تشترك دولتان من دول الاتفاقية على نهر دولى فيما بينهما، فينبغى أن يتقاسما موارده المائية على أساس المشورة والتفاهم واذا حدث خلاف بينهما يتم اللجوء للجان دولية تفض الاشتباك فيما بينهما على اساس العدل والمصلحة المشتركة.
ويضاف إلى ماسبق القواعد التى نظمها رجال القانون الدولى بشأن الإنتفاع العادل من الانهار الدولية. والتي تتضمن مايلي :-
١- قاعدة المساواة القانونية بين الدول النهرية ويقصد بالمساواة القانونية الاشتراك فى حصص عادلة من النهر المشترك.
٢- قاعدة السيادة الإقليمية
وبمقتضاها يكون لكل دولة نهرية مشتركة فى النهر الدولى حقوق السيادة على قطاع النهر الواقع فى اقليمها وذلك فى نطاق احترام حقوق الآخرين المشتركين معها.
٣- قاعدة الأقتسام العادل
وهى القاعدة الرئيسية فى قانون الانهار الدولية على اعتبار عامل السكان وعامل الفقد المائى فى البخر والتسرب عبر رحلة النهر.
٤- قاعدة تحريم الضرر
بمعنى لا يجوز حجب نسبة من حق دول المصب من قبل دول المنبع او تلويث المياه بفعل بشرى فى دول المنبع لتلحق ضررا من دول المصب.
٥- قاعدة احترام الحقوق التاريخية
وهى قاعدة عامة فى القانون الدولى وليست قاصرة على قانون الأنهار الدولية بالذات. وشترط القانون الدولى ثلاثة شروط لاكتساب الحق التاريخى.
ا-وجود ممارسة ظاهرية ب-وجود ممارسة مستمرة. ج – وجودموقف سلبى من الدول المشاركة على الواقع دون معارضة طوال فترة زمنية كافية لاستخلاص قرينة ما يسمى بالتسامح العام من جانب الدول المشتركة فيما بينهم والسبق فى الإنتفاع والاقرار به إنما هو أحد العناصر التى توضع فى الاعتبار فى مجال الموازنة بين المصالح المتعارضة فى ذلك الشأن.
إلى ذلك تضمن الاتفاقيات بين الدول النيلية حقوق كل دولة بما في ذلك مصر في حصتها المائية ، وهذه الاتفاقيات تم توقيعها مابين عام ١٨٩١ إلى عام ١٩٥٩ ،وهى اتفاقيات تتناول الوضع الإقليمى والجغرافى بين الدول الموقعة عليها.
ومن مبادىء العرف والقواعد العامة المتفق عليها دوليا أن مثل هذه الاتفاقيات الخاصة بالوضع الإقليمى والجغرافى تشكل قيدا والتزاما على الدول المتعاقدة وان انتقال السيادة على ذلك الإقليم من الاحتلال إلى التحرر لا يمس منها شىء الا بانعقاد جديد يتم بالتراضى بين الأطراف وقد تم التأكيد على هذا المعنى ما جاء فى اتفاقية فيينا ١٩٧٨ بشأن التوارث الدولى للمعاهدات والاتفاقيات بتحديد ورسم الحدود الدولية او الإقرار بالوضع الإقليمى والجغرافى بمرور زمن رضى فيه الأطراف بالأمر الواقع حولها إلى وثيقةعرف قائم لا ينبغى تعديله الا بموافقة الأطراف التى وقعت عليه
و نستعرض فيما يلي الاتفاقيات التى تمت بين دول حوض النيل :-
١- البروتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا ١٨٩١ لتحديد مناطق نفوذ كل منها فى شرق أفريقيا ، وفى المادة الثالثة ينص البروتوكول على أن إيطاليا “التي كانت تحتل أثيوبيا ” ليس لها حق إقامة اي إنشاءات على نهر عطبرة الذى يصب فى نهر النيل .
٢- المعاهدات ما بين بريطانيا العظمى وأثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصرى البريطاني وأثيوبيا وأرتيريا، الموقعة فى أديس أبابا فى مايو ١٩٠٢ ،و فى المادة الثالثة من هذه المعاهدات يتعهد الإمبراطور منليك الثانى ملك ملوك أثيوبيا أمام بريطانيا العظمى بألا ينشىء أو يسمح بإقامة أى عمل على نهر النيل الأزرق، أو بحيرة تاتا أو نهر السوباط من شأنه تعطيل سريان مياهها إلى نهر النيل، ما لم توافق على ذلك مقدما حكومة بريطانيا وحكومة السودان المصرى البريطاني.
٣-الاتفاق بين حكومة بريطانيا وحكومة الكونغو والموقع فى لندن عام ١٩٠٦ والمعدل لاتفاقية بروكسل فى نفس العام وعدلت فى ١٩٨٤ ، حيث ينص التعديل فى مادته الثالثة بتعهد حكومة الكونغو المستقلة بألا تقيم أو تسمح بإقامة أى منشآت على نهر سمليكي أو بالقرب منه، أو على نهر ايسانجو والتى يكون من شأنها تخفيض كمية مياهها التى تصب فى بحيرة ألبرت، وذلك مع حكومة السودان المصرية البريطانية.
٤-الاتفاقية الثلاثية بين فرنسا وإيطاليا وبريطانيا بشأن المحافظة على مصالح مصر وبريطانيا فى النيل، وعلى ما يتصل بتنظيم النيل ومياهه.
٥- المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى ديسمبر ١٩٢٥ وفيها تعترف الحكومة الإيطالية بالحقوق المائية السابقة والمكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل وتلزم الحكومة الإيطالية بألا تنشأ على النيل اى منشأة من شأنها تعديل كمية المياه التى يحملها النيل إلى مصر والسودان.
٦- الاتفاقية الموقعة بين بريطانيا وبلجيكا الموقعة فى نوفمبر ١٩٣٤ بشأن نهر كاجيرا أحد روافد بحيرة فيكتوريا فى رواندا وبورندى، وتنص على عدم إقامة أى منشأت نهر كاجيرا تؤثر على تدفق المياه إلى بحيرة فيكتوريا.
٧- المذكرات المتبادلة بين بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا فى الفترة بين يوليو ١٩٥٢ حتى يناير ١٩٥٣ والتى تعتمد مساهمة مصر فى بناء خزان أوين بأوغندا بغرض توليد الكهرباء مقابل زيادة حصة مصر فى مياه النيل.
٨- اتفاقية الإنتفاع بمياه النيل بين مصر والسودان لاقرار حصة مصر التى تكفى لتشغيل السد العالى.
٩- الاتفاق بين مصر وأوغندا فى مايو ١٩٩١
بشأن انشاء محطة توليد كهرباء على بحيرة فيكتوريا، والذى تضمن التزام الدولتين بما سبق الاتفاق عليه عند انشاء سد أوين عام ١٩٥٣.
٩- الاتفاق الذى تم بين الرئيسي المصرى والأثيوبى عام ١٩٩٣ ، و تضمن هذا الإتفاق فى أحد بنوده تعاهد الطرفين بالامتناع عن أى نشاط يؤدى إلى إلحاق ضرر بمصالح الطرف الآخر.
*نصوص اتفاقية سد النهضة فرطت في حقوق مصر المائية التاريخية
*اتفاق الخرطوم لا يلزم أثيوبيا بكميات مائية محددة ولا توقيتات محددة لملء بحيرة السد
* بنود الاتفاق الإطاري لا يترتب على مخالفاتها أي إجراءات أو عقوبات على أديس أبابا
على خلاف كل الاتفاقيات الدولية والقارية والثنائية التي تحفظ حصة مصر في مياه النيل ،
سلم السيسي كل حقوق مصر تلك لأثيوبيا ودول حوض النيل بتوقيعه على اتفاقية سد النهضة في الخرطوم في الثالث والعشرين من مارس عام 2015 ، وجاءت بنود الاتفاقية في الخرطوم مائعة ولا تلزم أثيوبيا بشي سواء في حصة مصر المائية أو آلية تشغيل السد أو الكميات التي يحق لاثيوبيا احتجازها خلف السد .. وف الجزء الثاني من التقرير نستعرض أهم المآخذ على تلك الاتفاقية . . و سوف نتناول أربع نقاط أساسية:
أولًا: القضايا الخلافية قبل الوثيقة.
ثانيًا: الظروف السياسية المحيطة بالوثيقة.
ثالثًا: تقييم بنود الوثيقة.
رابعًا: ملاحظات ختامية.
أولًا: القضايا الخلافية قبل الوثيقة
ويمكن القول بداية: إن قضية الخلاف بين مصر وإثيوبيا بشأن قضية المياه، لا تقتصر على سدِّ النهضة فحسب، وإنما تتعداه لقضية مياه نهر النيل ذاتها، ومدى اعتراف إثيوبيا بالاتفاقيات التاريخية الخاصة بحصة مصر والمقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب بموجب اتفاقيتي 1929، 1959؛ حيث لا تعترف إثيوبيا بهذه الاتفاقيات التاريخية لاسيما اتفاقية 1902 بين الإمبراطور الإثيوبي آنذاك منليك الثاني وبريطانيا الدولة المستعمِرة لمصر والسودان في حينها؛ حيث ترى أن هذه الاتفاقية تم توقيعها إبَّان الاستعمار؛ وبالتالي فهي لا تُتوارث وفق نظرية الصحيفة البيضاء، في حين تتمسك مصر بنظرية توارث المعاهدات الدولية.
وبالتالي، كانت هذه إحدى القضايا الخلافية في الملف المائي بين البلدين، والتي جعلت مصر ترفض الانضمام إلى الاتفاقية الإطارية الخاصة بدول حوض النيل والمعروفة باسم اتفاقية عنتيبي التي تم التوقيع عليها عام 2010 وصادقت عليه إثيوبيا ودول أخرى منذ 2013، في حين لم تنضم إليها مصر والسودان وإريتريا والكونجو الديمقراطية؛ حيث تركزت التحفظات المصرية في حينها على البند 14 ب، الخاص بالأمن المائي، والبند 8 الخاص بالإخطار المسبق للمشروعات (أي إخطار مصر والسودان وضرورة موافقتهما أولًا على أي مشروع قبل تنفيذه). وفي اجتماع كينشاسا (مايو/أيار 2009) أصرَّت مصر على عدة أمور، منها:-
أن يتضمن الإطار القانوني للمعاهدة نصًّا صريحًا في المادة 14 ب الخاصة بالأمن المائي يضمن عدم المساس بحصة مصر التاريخية من مياه النيل.
أن يتضمن البند رقم 8 الخاص بمبدأ الإخطار المسبق عن المشروعات المزمع إقامتها بدول أعالي النيل مع إدراج هذه الإجراءات صراحة في الاتفاق وليس في الملاحق الخاصة بحيث يمكن لدولتي المصب (مصر والسودان) الاعتراض على أي مشروع قبل البدء فيه؛ وهو ما لم يحدث بشأن سدِّ النهضة.
وإزاء هذه التحفظات، عمدت إثيوبيا مع بعض دول حوض النيل الأخرى (كينيا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، أوغندا) إلى التوقيع على الاتفاقية وهي تشكِّل الأغلبية من إجمالي 11 دولة، ويُفترض أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ باتمام تصديق برلمانات هذه الدول عليها.
ثم جاءت الإشكالية الثانية الخاصة بسدِّ النهضة، ومدى تأثيره على حصة مصر المائية خاصة في فترة ملء خزَّانه الذي زادت مساحته من 14 مليار متر مكعب حسب التصميم الإثيوبي الأول إلى 74 مليار متر مكعب حسب التصميمات النهائية. وهو بحسب معظم خبراء المياه سيؤثر بلا شك على حصة مصر خلال فترة ملء الخزان. وبالتالي يتعين البحث عن كيفية الاتفاق على تلافي هذا الضرر.
وعندما اتفقت الأطراف الثلاثة على تشكيل لجنة ثلاثية وطنية-دولية لبحث الآثار المترتبة على هذا السد، أصدرت اللجنة تقريرها أوائل يونيو/حزيران 2013، أي قبل عزل الرئيس مرسي، وتضمن التقرير بعض الملاحظات حول مشروع السد بناء على الأوراق المقدمة من الطرف الإثيوبي، وأبرزها ما يلي :-
أن الدراسات الهندسية ودراسات الأمان لم تصل إلى المستوى التقني للبدء في المشروع، في الوقت الذى لم تقدم فيه إثيوبيا دراسات الجدوى والتكلفة إلى اللجنة.
أن بناء السد سيتسبب في تقليل معدلات تدفق المياه إلى دول المصب (مصر والسودان).
هناك توقعات بآثار سلبية على قلة الزراعات في المنطقة والغابات المتشاطئة على النيل الأزرق، وكذلك التأثير على إمدادات المياه الجوفية على طول النيل الأزرق. وخلال التشغيل سيكون هناك تأثير على مياه الري في مصر في سنوات الجفاف.
هذا التقرير هو ما دفع الرئيس محمد مرسي في حينها إلى عقد حوار موسع وطني ضمَّ مختلف الأحزاب السياسية وممثلي الأزهر والكنيسة للبحث في كيفية تلافي هذه السلبيات، والبدائل المتاحة، وهي خطوة إيجابية في حينها، ولم يعكِّر صفوها سوى إذاعتها على الهواء دون علم الرئيس، وهو ما تسبب في حدوث أزمة دبلوماسية لاسيما بعدما طالب بعض الحضور كأيمن نور رئيس حزب الغد بالتهديد باستخدام القوة العسكرية.
هذ التقرير استخدمته في حينها القوى المناوئة للرئيس من أجل إظهاره بموقف المفرِّط في هذا الملف، رغم أنه لم يقل بهذا، كما أن إثيوبيا في حينها لم تكن قد شرعت في بنائه، وإنما كانت في مرحلة تشوين المعدات تمهيدًا للشروع فيه.
ثانيًا: الظروف السياسية المحيطة بالوثيقة
يُلاحَظ أن الظرف التاريخي الذي مرَّ به كل من الرئيس الراحل محمد مرسي، والسيسي ربما شهد تباينًا كبيرًا؛ ففي حالة مرسي، لم تكن إثيوبيا شرعت في بناء السد، كما أن مرسي رفض من البداية وخلال اجتماعه مع ممثلي الأحزاب أي مساس بالمياه المصرية “حتى ولو كوب مياه”، كما أكَّد له رئيس الوزراء الإثيوبي، بل إنه -أي مرسي- كان أول رئيس يزور إثيوبيا بعد محاولة اغتيال مبارك هناك 1995، كما أن دعوة الرجل للتشاور حول قضية أمن قومي تعني أنه لا يريد أن يستبد بالموقف، ناهيك عن أن قرار اللجنة الدولية، وإن أشار إلى بعض السلبيات، إلا أنه طالب باستكمال بعض الدراسات لعدم كفاية المستندات الإثيوبية، فضلًا عن أنه لم يُشِر إلى أن السد شرٌّ محض، بل يمكن تلافي هذه السلبيات من خلال التفاهمات السياسية أو من خلال فكرة التعويضات كما نصَّت على ذلك اتفاقية الأمم المتحدة المنظِّمة للمجاري الدولية لغير أغراض الملاحة لعام 1997، والتي كانت هي أهم الأطر للوثيقة الأخيرة التي وقعها السيسي.
وبدلًا من أن تتكاتف القوى الوطنية لدعم مرسي في مواجهة إثيوبيا، راحت تنال منه، وهو ما جعل إثيوبيا تنتهر الفرصة لكي تقوم بالتصديق على اتفاقية عنتيبي في 13 يو…
أما في عهد السيسي، فيُلاحَظ أن الظرف السياسي لم يتحسن بالنسبة له، بل إن الأمور تزداد تعقيدًا في الداخل، في ظل وجود تيار رافض له من ناحية، فضلًا عن تراجع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية من ناحية ثانية، علاوة على ضعف سياسته الخارجية من ناحية ثالثة، لاسيما فيما يتعلق باتهاماته لأطراف الجوار (حماس، ليبيا، السودان) بدعم الإرهاب. وبالتالي فإن الرجل لا يمتلك أية أوراق ضغط في مواجهة نظام ديسالين الإثيوبي المستقر.
وإزاء هذا يثور التساؤل: في ظل هذا الظرف الصعب للسيسي، هل توقيعه الاتفاق في مثل هذه الظروف ينطلق من نقاط قوة، وهو ما ينعكس على بنود الاتفاق، أم أن الرجل -على العكس- يسعى لتحقيق مكسب سياسي يصب في صالحه فقط على غرار ما حدث من استضافته للمؤتمر الاقتصادي الدولي بشرم الشيخ؟
يبدو أن التفسير الثاني قد يكون أقرب للواقع من ناحيتين:
الأولى: استعجال الرجل في التوقيع، حتى بدون التشاور مع القوى الوطنية على عكس ما فعل مرسي، وهو ما جعل بعض مؤيديه ينتقدون الغموض المحيط بالوثيقة، بل وانتقاد الوثيقة ذاتها. بل كان ملاحَظًا وجود حالة من العجَلة غير المبررة والاستسلام للأمر الواقع؛ ومن ذلك قول وزير الخارجية سامح شكري: “إن السدَّ أمر واقع”!
الثاني: أن بنود الوثيقة -كما سيتضح في الجزئية التالية- لم تحقق سقف الطموحات التي كانت مطلوبة من مرسي، وبعد الانقلاب عليه، كان يفترض أن يقوم السيسي الذي ينحدر من المؤسسة العسكرية والمخابراتية أن يحققها، ومنها:
1. عدم الإقرار بالسد إلا بعد الحصول على الضمانات الكافية بعدم وجود ضرر على مصر.
2. الإقرار بحقوق مصر التاريخية في المياه.
3. مشاركة مصر في إدارة السد.
4. تحديد سعة الخزان وكيفية الملء بما لا يرتب ضررًا على مصر.
5. إلزام إثيوبيا بتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية.
ثالثًا: تقييم بنود الوثيقة
كما يُلاحظ على بنود الوثيقة ما يلي:
أنها اتفاق إعلان مبادئ “إطاري” بمعنى أنها تتحدث عن مبادئ وإجراءات، أمَّا الأمور الموضوعية فتحتاج لاتفاقيات أخرى تتحدث عن القضايا الموضوعية؛ لذا لا غرابة في أن يتم اقتباس الكثير من بنود هذا الإعلان من اتفاقية الأمم المتحدة للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية “1997” والتي تعد هي ذاتها اتفاقية إطارية تتناول بعض الجوانب الإجرائية الأساسية بصورة أكبر من الجوانب الموضوعية، وتترك التفاصيل للدول المشاطِئة لتكملها في اتفاقات فيما بينها تأخذ في الاعتبار الخصائص المحدِّدة للمجرى المائي المعني. ولتلك الدول في هذه الاتفاقات أن تتبنَّى أحكام الاتفاقية أو تُكيفَها. وعليه، فإن الاتفاقية الأممية تعطي مساحة واسعة للدول المشاطئة في تفاصيل التفاوض على اتفاقياتها(2)؛ وهو ما قد حدث جانب منه في إعلان مبادئ سدِّ النهضة.
كما يُلاحَظ، فإن الدول الثلاث في الديباجة اعتبرت هذه المبادئ ملزمة لها حيث جاء فيها “وإدراكًا لأهمية نهر النيل كمصدر الحياة ومصدر حيوي لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان؛ ألزمت الدول الثلاث أنفسها بالمبادئ التالية…”، لكن هذا الإلزام قد يتم تخصيصه أو تقييده في مواضع أخرى، وهو ما قد يثير بعض الجدل والالتباس.
الإقرار بحق إثيوبيا في بناء السد بحيث يصبح حقًّا رسميًّا يتيح لها الحصول على الأموال اللازمة لبنائه بعدما كانت مصر تعرقل هذا من خلال البنك الدولي الذي يرفض فكرة التمويل بدون وجود اتفاق بين الدول المعنية. هذا الاعتراف المصري من أهم المكاسب لإثيوبيا التي قد تسارع في عملية بنائه قبل انتهاء الدراسات الخاصة بالهيئة الاستشارية الدولية والمقرر لها 15 شهرًا. وبحلول هذا التاريخ ستكون إثيوبيا قد تجاوزت سعة السد (14 مليار متر مكعب) في سبتمبر/أيلول 2015، ثم قرابة 40 مليارًا لحظة إعلان تقرير لجنة الخبراء، وهو ما يثير الشكوك فيما لو طلبت اللجنة الاستشارية مثلًا الاكتفاء بأن تكون سعة السد 14 مليار متر مكعب؛ فهل ستقوم إثيوبيا بهدم ما بنته .
بالنسبة لفكرة الحقوق المصرية المكتسبة بشأن مياه النيل والتي كانت أحد أسباب عدم التوقيع على عنتيبي، يلاحظ أن الاتفاق لم يُشِر لها من قريب أو بعيد، وإنما اكتفى بذكر بعض المبادئ الأخرى التي ربما تثير لغطًا في تطبيقها في أرض الواقع بين دولتي المنبع والمصب، ومنها مبدأ الاستخدام العادل والمنصِف ومبدأ عدم وقوع الضرر، وقد يقول قائل: إن إعلان المبادئ سكت عن هذا البند الخاص بالحقوق المكتسبة؛ وبالتالي ليس معنى هذا التفريط في الحقوق المكتسبة كما يثيره معارضو الإعلان؛ وهنا يكون الرد بأن اتفاقية عنتيبي سكتت هي الأخرى عن الحقوق التاريخية ومع ذلك رفضت مصر التوقيع عليها.
ويلاحَظ أنه تم استبدال النص على ذلك بمبدأ آخر هو مبدأ حقوق الانتفاع المنصِف والعادل، وهو مأخوذ حرفيًّا تقريبًا من اتفاقية الأمم المتحدة لتنظيم استخدام المجاري المائية الدولية في غير أغراض الملاحة الدولية لعام 1997 حيث نصَّ البند الرابع من إعلان المبادئ على ما يلي:
سوف تستخدم الدول الثلاث مواردها المائية المشتركة في أقاليمها بأسلوب منصف ومناسب.
لضمان استخدامهم المنصف والمناسب، سوف تأخذ الدول الثلاث في الاعتبار كافة العناصر الاسترشادية ذات الصلة الواردة أدناه، وليس على سبيل الحصر:
1- العناصر الجغرافية، والجغرافية المائية، والمائية، والمناخية، والبيئية وباقي العناصر ذات الصفة الطبيعية.
2- الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول الحوض المعنية.
3- السكان الذين يعتمدون علي الموارد المائية في كل دولة من دول الحوض.
4- تأثيرات استخدام أو استخدامات الموارد المائية في إحدى دول الحوض على دول الحوض الأخرى.
5- الاستخدامات الحالية والمحتملة للموارد المائية.
و. عوامل الحفاظ والحماية والتنمية واقتصاديات استخدام الموارد المائية، وتكلفة الإجراءات المتخذة في هذا الشأن.
6. مدى توفر البدائل، ذات القيمة المقارنة، لاستخدام مخطط أو محدد.
7- مدى مساهمة كل دولة من دول الحوض في نظام نهر النيل.
8- امتداد ونسبة مساحة الحوض داخل إقليم كل دولة من دول الحوض.
وبالتالي يمكن ملاحظة ما يلي:
1- أن الاعتبارات الواردة تحت هذا المبدأ في الإعلان والتي يتحدد بموجبها حق الانتفاع ونسبة كل دولة هي نقاط خلافية رفض معارضو عنتيبي أن تكون بديلة للنص الخاص بالحقوق المكتسبة حتى لا ندخل في متاهات. كما أنه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة تنصُّ المادة 6 “فقرة 3” أيضًا على أن الوزن الممنوح لكل عامل من العوامل يُحدَّد وفقًا لأهميته مقارنةً بأهمية العوامل الأخرى ذات الصلة ، وما هو قد يثير جدلًا في التطبيق.
كما يكشف الواقع الدولي عن حالات لتنازع أولويات “الانتفاع المنصف” بمياه الأنهار الدولية؛ فقد ترغب إحدى الدول المشاطِئة، وهي بصدد تنفيذ بعض برامج التنمية فيها، في الحصول علي نصيب أكبر من مياه النهر، يزيد على ذلك الذي كانت تحصل عليه من قبل؛ الأمر الذي يؤثر بلا شك في حصة الدول المشاطِئة الأخرى؛ ومن ثم يثور التساؤل حول أولوية الانتفاع بمياه النهر، وهل يكون للاستخدامات القائمة والحقوق التاريخية، أم للاستخدامات المحتملة والاستعمالات المستقبلية؟ كما هي الحال في الفقرة “ه”.
2- أن البندين “ح”، “ط” يمكن تفسيرهما لصالح إثيوبيا باعتبار المياه تأتي منها، فضلًا عن امتداد ونسبة مساحة الحوض لديها.
و بالنسبة لمبدأ عدم الضرر “البند الثالث” في الإعلان؛ فهو ينص على ما يلي:
• سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/النهر الرئيسي.
• على الرغم من ذلك، ففي حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، عليها اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسبًا.
ويُلاحَظ على هذا البند ما يلي: –
1- هو مأخوذ نصًّا من اتفاقية الأمم المتحدة البند “7 أ، ب”.
وبالرغم من أن البعض يرى إلزامية هذا النص، إلا أن هناك بعض النقاط الخلافية بشأنه لعل أبرزها يتمثل ليس في مبدأ الإلزام الوارد في ديباجة الإعلان، وإنما في الجزئية الخاصة بعدم وجود اتفاق بشأن الإخطار المسبق ذاته في أحد أجزاء الفقرة الثانية من البند الثالث في الإعلان والتي نصَّت “على أن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر”، أي إثيوبيا في حالتنا، “عليها في حال غياب اتفاق على الفعل” أي الفعل المتسبب للضرر، “اتخاذ كافة الإجراءات لتخفيف هذا الضرر” أي بعد وقوعه؛ وهذا أمر صعب. كما يذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة تتحدث عن الضرر ذي الشأن ” أي الكبير”، أما الضرر الصغير فإنه يمكن التسامح بشأنه مع الحصول على تعويض؛ وهو أمر تقديري يُدخلنا في متاهات كبيرة.
فضلًا عن ذلك فقد جاءت الفقرة الخامسة من البند الخامس من الإعلان والمتعلقة بالتعاون في الملء الأول للخزان وإدارة السد لتشير بوضوح إلى أن الإخطار المسبق لن يكون فيما يتعلق فيما مضي من بناء السد، بل سيكون في الأمور الطارئة التي تحدث عند التشغيل، ومعني هذا أن ما مضى بات أمرًا واقعًا لا يجوز الاعتراض عليه؛ لذا نصَّت هذه الفقرة على “إخطار دولتي المصب”، أي من قِبل إثيوبيا، “بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد”.
و بالنسبة للمبدأ الخاص بمبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد، يلاحظ عدة أمور:
1- لم يتحدث الإعلان عن حجم السد؛ وهذا أمر في منتهى الخطورة، إذ يمكن لإثيوبيا تأويله على النحو الذي يروق لها.
2- أنه لا يوجد إلزام على إثيوبيا بشأن إشراك مصر في إدارة السد، وإنما تم الاكتفاء بالنص “لضمان استمرارية التعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب، سوف تنشئ الدول الثلاث، من خلال الوزارات المعنية بالمياه، آلية تنسيقية مناسبة فيما بينها”. إذن لا يوجد صيغة إلزام، اللهم إلا إذا كان الالتزام الوارد في الديباجة بخصوص الالتزام بهذه المبادئ مقيِّدًا لهذا الأمر.
3- ما يتعلق بالفقرة الأولى من البند الخامس والتي تشير إلى “تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصي بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع”؛ إذ إن وزير الري الإثيوبي أشار قبل توقيع الاتفاق إلى أن توصيات اللجنة الاستشارية غير ملزمة لبلاده، اللهم إلا إذا تم اعتبار ما جاء في الديباجة من الالتزام بالمبادئ ملزمًا لإثيوبيا في هذا الشأن.
بالنسبة للمبدأ العاشر الخاص بتسوية الخلافات حول هذا الإعلان؛ فقد نصَّ على ما يلي:
1- “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقًا لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، والوساطة، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة”.
ويُلاحَظ هنا أمران:-
الأول: “ضرورة موافقة جميع الأطراف” تعني أن مصر لن تستطيع تمرير أي قرار خاص بالسد بصورة منفردة، كما أن تحقق التوافق “الإجماع” أمر في غاية الصعوبة، ناهيك عن أن التسوية ستكون سياسية أيضًا من خلال طلب التوفيق والوساطة من قبل طرف خارجي. أما ما سوى ذلك فيتم رفعه لرؤساء الدول والحكومات للدول الثلاث لاتخاذ ما يلزم. وهنا كان يمكن النص على الوسائل القانونية للتسوية مثل التحكيم والقضاء الدولي ولكن لم يتم النص عليها لرفض إثيوبيا المسبق لذلك.
ثانيا أنه لن يتم اللجوء للتحكيم أو القضاء الدولي رغم أنهما إحدى الأدوات التي نصت عليها المادة 33 من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997. وباختصار فإن الخلافات ستظل قاصرة على الجهود الدبلوماسية فقط.
مما سبق يتضح عدة أمور:-
أن هناك تسرعًا غير مبرر من السيسي لتوقيع هذا الإعلان دون تشاور مع القوى الوطنية.
أن الاتفاق تجاهل بعض التحفظات المصرية على اتفاقية عنتيبي لاسيما الحقوق المكتسبة، وحصة مصر التاريخية من المياه، والإخطار المسبق.
أن هذه المبادئ ربما تثير إشكاليات في التطبيق رغم النص في البداية على أنها ملزمة لاسيما في ظل وجود بعض الغموض والتأويلات المتضاربة بشأنها مثل “المعايير التي على أساساها يتم احتساب الاستخدام العادل والمنصف”.
السكوت عن الحديث عن سعة السدِّ أمر غير مبرر.
الحديث عن الإخطار المسبق سيكون فيما يتعلق بعملية التشغيل وليس ما يتعلق بما تم في السد يعد انتقاصًا من حقوق مصر، وربما ما أكده النص الخاص بوقوع ضرر لاستخدام لم يتم الاتفاق عليه. ويبقى تقدير الضرر أمرًا تقديريًّا خاضعًا للنقاش والمناورة.
إذن، تعجَّل السيسي بدون مبرر لتحقيق إنجاز سياسي يُحسب له رغم أن الإعلان ملئ بالألغام التي ربما تنفجر على المحك العملي خلال شروع إثيوبيا في استكمال السد الذي بات ليس أمرًا واقعًا فحسب، وإنما معترف به مصريًّا ودوليًّا. وفي حالة وجود أي خلاف عليه .
وهكذا يتضح أن بنود الاتفاقية كلها تقريباً لا تحفظ حقوق مصر في حصتها التاريخية في مياه النيل، ولا تلزم أثيوبيا بكميات محددة واردة إلى مصر، ولا يترتب على الإخلال بحصة مصر اي عقوبات أو إجراءات توقف بناء السد أو تلزم اديس أبابا بتعديل الإنشاءات او عمليات التغشيل للتوربينات الكهربائية لـ ” النهضة ” .