لا أرى في تاريخنا الحديث أياما خانقة كأيام حزيران، ولا أعرف أهو حديث عن مصر أم حديث عن العرب أم الصهاينة؟ ولكن ما يبدو أن كل أحداث حزيران الكارثية كانت مصر طرفا فيها، وكانت كل الشعوب العربية ضحية لها، وكان الصهاينة المستفيدون.
أيام حزيران 1967 تلك الأيام التي لن ينساها أحد حتى من لم يعايشها، فقد كانت أياما فاصلة في تاريخ مصر والأمة العربية كلها، ولم تكن فقط أيام هزيمة عسكرية ولكنها كانت تتويجا مكتمل الأركان لجريمة كبرى مورست بحق شعوب كاملة في منطقتنا كانت النهاية الحتمية والمنطقية هي تلك الهزيمة الساحقة التي حلت بنا جميعا. وأسوأ ما أظهرته الهزيمة أننا في مصر بلا ثمن أمام عسكر مصر الخونة وتابعيهم من نخب تربت في أحضانها رقصت طربا عندما عاد النظام الذي سحقنا تحت حذائه وتحت دبابات العدو.
بعد ما يقرب من 45 عاما أبى حزيران أن يفارقنا إلا تاركا بصمته السوداء على مصر وعلى الأمة، ففي آخر أيامه عام 2013 قامت النخب القديمة مع نخب جديدة لا تحمل إلا احتقارا لشعب مصر باستخدام مشاهد مسرحية للتمهيد لانقلاب عسكري دموي، فكانت جريمة كبرى ليست في مصر فقط؛ ولكنها فتحت بوابة الجحيم على الجميع.
إن أكثر الأمور خطورة في انقلاب 2013 هو إعلان كافة النظم العربية والدولية المشتركة والمؤيدة للانقلاب فشل نموذج الدولة القومية في كل المنطقة وأنهم أصبحوا غير قادرين على تكرار محاولة الحفاظ عليها مرة أخرى، وكان الحسم لازم بهذا الشكل المفزع، إلا أن ذلك لم يكن في مصر فقط ولكن كان في كل المنطقة بالانتقال الحتمي للموجة الكاسحة من الثورة المضادة إلى الجميع، ليس فقط مناطق الثورة ولكن إلى كافة النقاط التي أصبحت نقاطا محتملة للتمرد.
تقاربت كوارث حزيران فبعد أن كانت 45 سنة بين كارثة 67 وكارثة 2013؛ لم يمض غير أربعة سنوات فقط حتى فاجأنا 2017 بأحد ارتدادات انقلاب 2013 وهو حصار دول خليجية لدولة قطر وهو ليس مجرد حصار جغرافي أو سياسي؛ ولكنه أبعد من ذلك فهو صورة من صور الصراع بين حالة الإحياء والمقاومة والثورة بالمجتمعات العربية من جهة وبين الثورة المضادة ودعاة الهزيمة والانبطاح من جهة أخرى، وكل ذلك أحد ارتدادات انقلاب حزيران 2013 التي لن تنتهي قريبا.
لا أعرف هل اختيار يوم إعلان الحصار كان صدفة أم أن القدر أراد أن يرسل لنا رسالة أن ما حدث في 2017 هو امتداد غير معلن لما حدث في 67 كما أنه امتداد معلن لحزيران 2013؟.
إلا أن المؤكد أن أكبر المستفيدين من كل أحداث حزيران هم الصهاينة ومن والاهم، الأخطر في أحداث حزيران الممتدة أنها في أحداثها الأخيرة أظهرت الكثير؛ ليس فقط ما نحن فيه من جنون حيث يقتل بعضنا بعضا ويحاصر بعضنا بعضا راغبين في قتلهم جوعا، بل ربما أوضحت طوائف أخرى ليست فقط من العسكر والكثير من الأسر الحاكمة التي تمثل أقليات حاكمة لا تنتمي لشعوبها، فقد استطاعت تلك الأقليات صناعة نخبا أكثر فسادا منها كخط دفاع أمامي تستخدمها دائما سواء بالرقص في المجالس النيابية أو كطابور خامس في جسد المجتمع كأبطال حزيران 2013 أو كتائب تأييد كما يحدث في معركة الخليج أو في معركة تيران وصنافير الجزيرتين المصريتين.
ولا يمكننا فصل ما يحدث في مصر من التنازل عن الجزيرتين لصالح السعودية “كما يقولوا في إعلامهم” عما يحدث في الخليج، فكلاهما خطوات لمشروع واحد يبدو أن شهر حزيران هو كلمة السر فيه.
ما يهمنا في هذا السياق هو أنها أثبتت القناعة الكاملة لكل اللاعبين الكبار بالمنطقة بانهيار النظام القومي العربي والنموذج المفروض على المنطقة منذ ما يقرب من مئة عام، وأن هذا النظام قد جاوز عمره الافتراضي؛ وتأكد اللاعبون أن الثورات العربية هي الإعلان النهائي عن موته، ويسعي هؤلاء اللاعبون إلى شكل جديد؛ إما الاستسلام الكامل للشعوب تحت مظلة حكم الأقليات المدعومة من القوى الدولية لكل ما يفعلوه مهما كان، أو الدخول في حالة من الفوضى الشاملة والحرب الأهلية باستخدام الطابور الخامس أو الجيوش التي لم نراها منذ زمن تطلق رصاصة واحدة إلا على شعوبها.
وعلى الجانب الآخر من القوى التي تسعى للتغيير بدرجات متفاوتة؛ لا يزال البعض منهم يحاول استعادة النموذج القومي القديم ويسعى للوصول لحل ما عن طريق استخدام أدواته التي أصبحت جزءا من الماضي بالنسبة للطوائف الحاكمة.
فقد أصبحت هياكل الدول الناتجة بعد الحرب العالمية الأولى غير صالحة للبقاء وربما أدرك الجميع ذلك ودخلت المنطقة في حرب مفتوحة طبولها تصم الآذان، ومشهد حصار قطر أحد هذه المظاهر الصارخة، إلا أن من الواضح أن البعض لا يريد أن يراها ويحاول العودة إلى ما قبل حرب الخليج 90 .
لقد تجاوز الزمن ذلك وأصبحت الخيارات المحدودة لا تحتوي على هذا البديل بالنسبة للجميع، سواء الأقليات الحاكمة أو للقوى المجتمعية بكامل أشكالها.
إن حصار قطر ليس حصارا لقطعة أرض ولكنه حصار من كل الثورة المضادة بكل أطرافها لكل الثورة بكل أشكالها، وهي معركة يبدو أن وقتها لم يحن بعد، وهناك من تحرك بسرعة أكثر من اللازم وربما يخسر هذه المعركة، إلا أن الحرب لا زالت مستمرة.
لذلك يجب الوقوف إلى جانب قطر هو وقوف ضد محاولات الأقليات الحاكمة لكسرنا تماما، وهذا بالضبط ما حدث في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وما حدث في انقلاب يونيه المصري، وإدراك أن وحدة الثورة ضرورية لمواجهة وحدة الثورة المضادة التي تعمل بلا كلل بإمكانات هائلة ضد كل من يسعى للتحرر.
الموجات متتالية، ولن تنتهي، إلا أن خروج قوى الثورة في هذه المعركة منتصرين هي انتصار في جولة أخرى للصراع بعد جولة انقلاب تركيا الفاشل وهذا له ما بعده، وعلى كل قوى الثورة في كل المنطقة الاستعداد وفهم أنها معركة مصيرية، ففشل انقلاب تركيا هو نصر لكل قوى الثورة في كل المنطقة ونجاح قطر في العبور من تلك الأزمة أيضا انتصار لنا جميعا. وتلك الأيام نداولها بين الناس؛ وعسى أن يكون النصر قريبا.