رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري
حكاية مصر و مهدي عاكف
مارس 21, 2023
رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري
من المسؤول عن الجوع؟
مارس 21, 2023

صناعة الجوع

رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري

رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري

صناعة الجوع

“لن يقرأ أحد هذا الكتاب دون أن يتحفز عقله ويثور قلقه ويعيد النظر في أمور كثيرة كان يأخذها من قبل مأخذ الأمور الواقعة أو المسلمات التي لا تناقش” هذه هي الجملة الأولى من مقدمة كتاب صناعة الجوع وخرافة الندرة تأليف فرانسيز مورلابيه وجوزيف كولينز وصادر عن سلسلة عالم المعرفة العدد 64، والحقيقة هذه العبارة هي أفضل تعبير عن ذلك الكتاب القيم الذي لا يتسع المقال بعرض كافة أفكاره، لذا سأحاول عرض بعض الأفكار الرئيسية التي تعرض لها مع دعوة الجميع لقراءته وهذا لاستكمال ما بدأناه في المقال السابق حول جريمة الجوع.

يناقش في الفصل الأول خطأ الفكرة المنتشرة بعدم قدرة الأرض على الوفاء بحاجة البشر بل يؤكد أن الإنتاج قادر على توفير الغذاء للجميع وأن الخلل ناتج عن سيطرة غير عادلة تؤدي إلى إيقاف تطور الإنتاج الزراعي. وقد أشار إلى نقطة هامة أن الجوع ينتشر أكثر في المناطق التي تتحكم بها قلة في المساحات المزروعة وطبقا لإحصائيات أشار لها أكد أن إنتاجية المساحات الواسعة الاستثمارية أقل من أقل إنتاج الأرض صغيرة تستخدم لإطعام صاحبها. كما أكد أن معظم الثروة التي يتم الحصول عليها من الزراعة الاستثمارية لا تعود للاستثمار الزراعي بل تسحب لأغراض ترفيهية أو استهلاكية.

كما يشير إلى إحدى الإحصائيات أن في عام 73 قامت 36 دولة من بين أفقر 40 دولة متضررة من تضخم أسعار الغذاء بتوريد سلع غذائية للولايات المتحدة، أي أن تعظيم الربح مقدم على تحقيق اكتفاء للمجتمع من الطعام أو تقليل حدة التضخم في أسعار الغذاء على الأقل، فهل نعتبر ذلك سرقة للفقراء أم تماشيا مع قوانين العرض والطلب والربح؟ وهل هؤلاء الذين يتاجرون وفقا للقانون ولكنهم مسؤولون عن تضخم أسعار الغذاء وندرته لصوصا أم مستثمرين شرفاء؟ نحتاج لإجابة فعلا.

ويشير إلى نموذج آخر في بنجلاديش حيث ينهار سعر الأرز في وقت الحصاد بفعل “كبار رجال السوق” وهو المحصول الرئيسي هناك فيضطر الفلاحون لبيع كميات كبيرة ليسددوا ديونهم الربوية ولا يبقي لهم الكثير ليأكلونه، واستغلال الأراضي لزراعات التصدير ظاهرة منتشرة في كل البلدان الفقيرة غذائيا والفاسدة بالتوأمة كما أشار إلى ذلك في الفصل الرابع، هل يمكن اعتبار ذلك عملا شريفا أو اعتبار المال الذي حصل عليه  مشترو الأرز مالا خاصا بهم؟ نحتاج لإجابات أخرى. فهذا المقال سيطرح أسئلة كثيرة بلا إجابات.

ويشير الكاتب إلى صورة أخرى من الاستغلال في الثروة السمكية في بنجلاديش حيث كل المصادر تحت سيطرة قلة تتحكم في الإنتاج والأسعار وتحرم الشعب من واحدة من أكبر الثروات السمكية في العالم. هل أموال هؤلاء أموال خاصة أم أنها مسروقة؟

ويتحدث في الفصل الخامس عن استراتيجيات صناعة الندرة للحفاظ على الأسعار وضرب مثلا بما فعلته أميركا في بداية سبعينيات القرن السابق بالتخفيض الحاد في إنتاج القمح للحفاظ على أسعاره وهذه أحد أدوات صناعة الجوع, يستمر الكاتب في عرض الكوارث الصانعة للجوع فيشير إلى التأثيرات المدمرة لاستخدام المواد الكيماوية في الزراعة وأنها أحد أدوات انتزاع الأرض باستخدام الديون المتراكمة من الفلاحين.

ويطرح الكاتب سؤالا في الفصل التاسع عن سبب عدم قدرة الأمم على إطعام نفسها وأشار إلى أن التراث الاستعماري واحدا من أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك، فقد أدى التطور الطبيعي في كل المجتمعات “البدائية” من وجهة نظر المستعمر إلى الوصول لمستوى مثالي من استغلال الأرض والموارد، ولكن المستعمر المتطور أعاد بنية النظام لا ليحسن الإنتاج “طبقا لما يدعي” بل لتضخيم الثروة لصالحه وليحترق العالم. فكما قال جون ستيوارت ميل “طبقا للكتاب”  أن المستعمرات هي مجرد فرع من النظام الزراعي للمركز المستعمر.

إن التشوه الكبير الذي قامت به القوى الاستعمارية في تغيير الخرائط الزراعية بالدول المحتلة لا تزال تأثيراته السلبية مستمرة حتى الآن وأدت إلى وجود حالة من الخلل الدائم خاصة مع بقاء أذيال الاستعمار في مفاصل السلطة والثروة في الكثير من المجتمعات مما حافظ على التشوه حتى الآن دافعا إلى المزيد من الجوع. ويؤكد الكاتب ذلك في الفصل العاشر حيث يشير أن هياكل الإنتاج والتجارة أصبحت مبنية لخدمة التصدير وضد مصلحة الشعوب.

ويؤكد الكاتب في الفصل الحادي عشر أن إنتاجية المزارع الصغيرة والمتناهية الصغر أكبر وأوفر من الضياع الكبيرة التي تنشأ بهدف الاستثمار ويشير إلى أن غياب دعم المساحات الصغيرة والبالغة الصغر ليس بالأمر الجيد، وهذا يؤكد أن فكرة دعم تعظيم الثروة وليس دعم إنهاء الجوع هو الهدف من كل منظومات الدعم في غالبية النظم، ولذلك يشير الكاتب إلى أن الأزمة الرئيسية ليست في زيادة إنتاج الطعام ولكنها في غياب العدالة والقيم.

يناقش الكاتب أيضا الميكنة الزراعية وهل تصنع قيمة مضافة؟ ربما صحيح بالنسبة لصاحب رأس المال ولكن ما هو تأثيرها على العمال المعدمين؟ فاستخدام الميكنة الزراعية تقلل الاحتياج للعمال إلى الخمس مع ملاحظة أن تأثيرها على زيادة الإنتاج لا يكاد يذكر، الكتاب ليس ضد الميكنة فهو يقول: “من العبث أن يكون المرء محطم آلات بدائي”، ولكن يبدو أنه يعني أن استخدامها في البلدان كثيفة العمالة ينبغي أن يكون بحذر أكثر وخاصة في ظل محدودية الأرض المتاحة.

لا يمكننا عرض كل أفكار الكتاب إلا أن الهدف الرئيسي للمقال هو توضيح أن الجوع ليس ظاهرة عشوائية في عصرنا الحالي ولكنه صناعة لها أدواتها وصانعيها، وأن الجوع ليس ناتجا عن حالة طبيعية أو قدر ولكنه ناتج بقرار جماعي من صانعيه، وصانعوه هم هؤلاء الذين يراكمون ثرواتهم باستغلال المجتمعات بصور عدة عرضنا بعضها في المقال ويمكن لكل منا أن يحكي تجربته الخاصة وكيف قام شخص ما أو مؤسسة ما باستغلال الواقع والقانون والقوة لنهبه بشكل ما.

إن الجوع المصنوع جريمة يشترك فيها صناعها والمدافعون عنها وداعموها وننتظر اليوم الذي ينتهي فيه الجوع ولكن السؤال؛ هل من الممكن أن ينتهي برفع القليل من الظلم حيث يصبح توزيع الثروة عادلا أم أن النهاية ستكون دراماتيكية بخروج كل شيء عن السيطرة؟ ننتظر ونرى وإن غدا لناظره قريب.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *