هل فقد المجتمع المصري رغبته في التحرر؟
هذا سؤال ربما يرى البعض أن الإجابة عليه هي واجب اللحظة، وخاصة بعد ما تسمى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولا أدري إن كان السؤال الصحيح هو الموجود بالأعلى أم أن الأصح أن يكون هل فقد المجتمع المصري قدرته على التحرر. فقد تمتلك الرغبة ولكن القدرات لا تسمح بذلك، والخلط بين الاثنين يغير كثيرا من تحديد المسؤولية عن النتيجة، كما ينبغي قبل محاولة الإجابة أن نفرق بين الجماهير الغفيرة وبين من يفترض أنهم يتحدثون باسمهم.
من المشكلات الكبيرة التي تواجه الجماهير أن طبيعة النظام السياسي والإعلامي تقلل من فرص ظهور من يكون من داخلهم ويتحدث فعلا باسمهم، وهذا لا يعني أن المتحدث لا يعبر عنهم فعلا؛ ولكنها تعطي الفرصة للأنظمة للدفع بمن لا يعبر إطلاقا عما تريده الجماهير.
إذا نحن أمام جماهير عريضة وقطاعات قد نسميها نخبوية ليست في سياق واحد، وهذه القطاعات النخبوية هي من تصنع الصورة الذهنية التي تصدر للجماهير باسمهم، ومع قلة المنتمين فعليا لهذه الجماهير، والزيادة المنطقية في المتحدثين الزائفين نتيجة لسيطرة النظم الفوقية بكل أشكالها؛ تكون الصورة الذهنية المصدرة دائما هي عدم القدرة على الفعل والتحرر، وهناك من يتحدث مخلصا باسم الجماهير ولكنه يشترك في تصدير فكرة عدم القدرة؛ بل ويؤكد البعض –دون أي سند– عدم رغبة الشعب في التحرر.
وكان البعض يؤكد وجود الرغبة والقدرة؛ ولكن تحتاج إلى شكل ما من العمل لضبط المسارات لتحقيق نتيجة إيجابية باستخدام القدرات الشعبية الكبيرة للتحرك في مسار التحرر، كان هذا الجدل والذي أفقدنا الكثير من الوقت والجهد، وأدى – طبقا لاختلاف التصورات-إلى مشكلات متتابعة خلال السنوات الأربع الماضية.
ما حدث في الشهر الماضي فيما تسمى انتخابات الرئاسة أعتقد أنه كان ردا حاسما من الجماهير على هذا الجدل، وأكد وجود رغبة في التحرر بل وقدرة على الفعل الاحتجاجي السلبي، وقد تعيد إلى ذاكرتنا المشاهد المبهرة للجماهير بعد انقلاب يوليو والتي لم تكن فقط احتجاجا سلبيا؛ بل كان نضالا شعبيا كتب بالدماء كان ينبغي أن يؤكد لنا وجود رغبة كبيرة في التحرر، ولم نكن نحتاج إلى مسرحية انتخابية لنتأكد من ذلك.
لم تكن فقط أحداث المقاطعة الانتخابية الشهر الماضي مجرد رسالة شعبية وجماهيرية؛ ولكنها كانت حالة نجاح تطيح بأفكار مروجي اليأس ومصدري الإحباط، كما أن حالة الانفصال عن الواقع التي يعيشها النظام الانقلابي ورسمه صورة مضللة عن الإقبال الجماهيري الواسع على ما تسمى الانتخابات؛ تشير إلى اقتناعه بخروج الجماهير عن دائرة سيطرته، فهو لم يستخدم أدوات البطش معه لإدراكه استحالة فعل ذلك مع شعب من مئة مليون، واستخدم الدوائر المحيطة به والمنتفعة بوجوده لمحاولة رسم هذه الصورة، إلا أنه حقق فشلا ذريعا على مستوى الحقيقة على الأرض، ولكنه حقق نجاحا في عالمه الموازي الذي يصنعه لنفسه.
وأسوأ ما قد يفسد الصورة الزائفة الكبيرة هي صور حقيقة صغيرة، وما فعله أحد الشباب أمام إحدى اللجان –حتى وإن اختلف البعض معه– قد أزعج كل النظام وحشد أدوات بطشه الإعلامية والأمنية لمحاربة تلك الصورة الحقيقية، إن هذا الشاب أكد الرسالة، كما فعلت أيضا تلك السيدة التي سقطت مغشيا عليها أمام لجنة انتخابية بالإسكندرية من أجل خمسين جنيه، فهي لم ترسل برسالة تأييد للنظام في حالتها تلك، بل أخبرتنا أننا أصبحنا بعيدين، فلم تجد غير هذا الطريق لتحصل على خمسين جنيه وهي وحيدة؛ لعلها تستطيع بها البقاء على قيد الحياة عدة أيام أخرى.
على أي حال؛ أعتقد أننا وجدنا الإجابة؛ وهي أن الجماهير أعلنت أنها تمتلك القدرة على الفعل، ودور من يستطيعون الحديث باسمهم في المجالات الإعلامية المختلفة يجب أن يكون مبنيا على ذلك، وربما العودة إلى مسارات خاطئة بحجة عدم القدرة أو الرغبة قد تكون مثارا كبيرا للتساؤل.