تقدمت يوم 25 شباط/ فبراير 2017 بشكوى ضد لاعب الكرة بنادي برشلونة “ليونل ميسي”، وذلك بصفتي مواطنا مصريا وطبيبا بشريا، وهذا هو النص باللغة العربية:
السيد رئيس الاتحاد العالمي لكرة القدم (الفيفا)
زيوريخ – سويسرا
هذه شكوى ضد لاعب كرة القدم “ليونل ميسي” بنادي برشلونة، وذلك لاشتراكه في حملة خداع وتدليس تسمى “سياحة وعلاج” (Tour n’ Cure) نظمتها السلطات المصرية بواسطة شركة تجارية يوم الثلاثاء 21 شباط/ فبراير 2017 للسياحة ولعلاج مرض “التهاب الكبد الوبائي سي” Hepatitis C، وهذه الحملة مليئة بالكذب والمغالطات.
وتنقسم الشكوى إلى ثلاثة أجزاء:
1- مصر آمنة.
2- تكاليف رحلة السبع ساعات.
3- علاج التهاب الكبد الوبائي سي.
مصر آمنة:
هذه أكذوبة. فالجيش المصري وأفراد الأمن ينتشرون في ربوع مصر منذ الانقلاب العسكري في الثالث من تموز/ يوليو 2013، بحراسات ونقاط تفتيش لا حصر لها، ورحلة “ميسي” نفسها تأجلت مرارا منذ حادث الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ومن شهر مضى قامت قوات الأمن بتصفية عشرة من الشباب المصري في سيناء (وكانوا مختطفين قسرا من قبل تلك القوات)، بحجة أنهم هاجموا نقطة تفتيش، مما حدا بالعائلات والقبائل في سيناء إلى البدء في عصيان مدني ضد الكيان الانقلابي.
وقبل زيارة “ميسي” لمصر بثلاثة أيام، قامت مليشيات الانقلاب بقتل اثنين من شباب الجامعات المعارض لحكم العسكر شرقي القاهرة. وفي يوم الزيارة عُثر على منصة إطلاق صواريخ أرض – جو عند سور مطار القاهرة الدولي، مما دفع السلطات إلى توجيه طائرة “ميسي” للهبوط في مطار عسكري، وفي وقت هبوط طائرة “ميسي” كان وزير الحرب الصهيوني يعلن عن عبور قوات نخبة صهيونية حدود مصر الشرقية للقيام بعمليات عسكرية قتل فيها خمسة مصريين، بالإضافة لكل هذا فإن كل مباريات كرة القدم في مصر تقام كلها (إلا ما ندر) بدون جمهور خوفا من القيام بتظاهرات ضد النظام.
وفي اليوم التالي على الزيارة، صرّح نائب وزير الخارجية الروسي رفض بلاده إعادة استئناف رحلات الطيران السياحية إلى مصر بسبب عدم توفر الأمن والسلامة في مطاراتها. فأين هو الأمان المتوفر في مصر؟
تكاليف رحلة السبع ساعات:
“ميسي” استقبل في مصر استقبال رؤساء الدول، وتم إخلاء منطقة الأهرامات من الزائرين، وتقدر وسائل الإعلام التكلفة الإجمالية بخمسة وعشرين مليون جنيه مصري، وحدث هذا دون أدنى اعتبار لحالة فقر وعوز الغالبية العظمى من المصريين الذين يعانون من الحاجة، خاصة بعد الغلاء المتوحش في أعقاب تعويم عملة التداول.
في نفس يوم الزيارة اتفقت بنوك الطعام مع آخرين على توفير بقايا الطعام (كثير منه متبق من المطاعم والفنادق) للبيع بأسعار أقل من السوق، وصاحب ذلك القبض على أم مصرية كانت تعرض طفلها للبيع بمبلغ مئة جنيه مصري، هذا بخلاف أتعاب وكالة تسويق حملة (سياحة وعلاج).
ويُلاحظ أن حوادث الانتحار ارتفعت كثيرا بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، بسبب عدم مقدرة السواد الأعظم من المصريين على مواجهة متطلبات الحياة.
علاج التهاب الكبد الوبائي سي
معلوم أن مصر موطن للعديد من الأمراض المزمنة، وخلال الحكم العسكري الممتد عبر عقود من الزمن أضيفت أمراض أخرى، أهمها الفشل الكلوي والتهاب الكبد المتسبب عن فيروس سي.
ولقد حدث منذ عامين أن حضر السيسي قائد الانقلاب، بمعية عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت، مؤتمرا طبيا تحدث فيه لواء طبيب عن اكتشافه جهازا يشفي من التهاب الكبد الوبائي سي، وأيضا من مرض نقص المناعة المعروف بمرض الإيدز، وكان أسلوب العرض وفكرة الشفاء وطريقتها باعثة على التهكم والسخرية، وغير منطقية من الناحية العلمية، ولا تستقيم والتفكير السويّ السليم، مما ترتب عليها تشويه وتحقير مهنة الطب في مصر.
والحملة المروج لها “ميسي” ليس فيها جديد، فعلاج التهاب الكبد الفيروسي يُتداول دون قيود في كافة أنحاء العالم، ولا يتطلب أن يكون المريض سائحا في مصر لكي يتعاطاه، ثم إن العلاج يمتد إلى مدة قد تصل ستة أشهر تبعا لمرحلته في الجسم، وقد تكون لدى المريض مضاعفات (مثل النزيف الدموي من المريء أو المستقيم)، فلا يصلح معه السفر ولا السياحة، وذلك لحاجة المريض إلى عناية طبية راقية، سواء من خبرة الأطباء أو من الأجهزة الطبية، بالإضافة إلى أن كثيرا من المرضى بحاجة إلى زرع كبد، مما يتطلب تواجدهم بالقرب من المراكز الطبية المتخصصة بغية الفحص والتحليلات الطبية، ويتم استدعاء المريض وإجراء العملية خلال سويعات، فكيف يتسنى لسائح الامتثال لهذه الإجراءات؟ ولا شك أن توافد رحلات سياحية لمرضى التهاب الكبد الوبائي سي إلى مصر يمثل مصدر عدوى إضافيا للمصريين.
وأخيرا أليس من المنطق إذا كان العلاج متوفرا في مصر أن يتم علاج آلاف المصريين المصابين بالمرض بدل تركهم لمصيرهم المحتوم وبدل تفضيل غيرهم عليهم مهما كان المقابل؟
لقد ارتكب “ميسي” خطأ كبيرا، وكان يجب عليه استشارة خبير طبي قبل أن يستخدمه الكيان الانقلابي في الترويج لأفكار تجارية خاطئة، ومن واجب “الفيفا” التحقيق واتخاذ الإجراءات الضرورية في شأن يتعلق بصحة وحياة البشر، ولا بد أن يكون رد فعل “الفيفا” متناسبا مع حجم الخداع حتى لا يتكرر مثل هذا العمل بما له من عواقب وآثار وخيمة.