د/عمرو عادل عيد “الروبوت”.. أم عيد العمال

رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري
عيد “الروبوت”.. أم عيد العمال
مايو 1, 2018
4Q3A9578
د/مها عزام تعليقا فى عيد العمال
مايو 1, 2018

د/عمرو عادل عيد “الروبوت”.. أم عيد العمال

amr adel 2

من الممتع أن تحول الجريمة لاحتفالية، والأكثر إمتاعا أن يقتنع المجني عليه بأن هناك احتفالا في اليوم الذي قتل فيه، في صورة معبرة عن الواقع، وربما معبرة عن الماضي أيضا؛ تشاهد عاملا على إحدى الماكينات وبجانبه لوحة مكتوبة، ترجمتها: “اعمل بجدية أكثر وإلا استبدلتك بالروبوت”. هذه العبارة هي امتداد لخط طويل من الاستعباد، انتهى بحكاية عيد العمال الذي لم يأت بعد. ومن الواضح أن الاستمرار في المسار الحالي ربما يذهب بنا إلى عدم رؤيته أبدا.

الأول من أيار/ مايو هو يوم أكبر تظاهرات عمالية في عدة دول، وكان على رأسها شيكاغو بأمريكا، لتقليل عدد ساعات العمل لثماني ساعات، وهو جزء من نضال الحركة العمالية عبر تاريخها، منذ تحويل الفرد إلى جزء من ماكينة أكبر منه؛ لا بد أن يكون متوافقا مع سرعتها وقدرتها. يذكرني ذلك بالمشهد العبقري لشارلي شابلن في أحد أفلامه، عندما كان عمله هو ربط “صامولتين” لجزء ما في نفس الوقت، ولم يعد يستطيع السيطرة على نفسه بعد انتهاء نوبة العمل، واستمر في فعل حركته الميكانيكية، فهو لا يزال إنسانا لا يمكن إيقافه بضغط على زر ما، كالآلة التي يعمل عليها.

“لا بد من العمل كي يعيش الإنسان”… عبارة صحيحة، ولكن أرى أن هناك إسقاطا خاطئا متعمدا لمفهوم العمل في النمط الإنتاجي الممتد منذ مئات السنين، ولا يمكننا مناقشة ذلك في مساحة المقال المتاحة. وهناك قول لأحد أكبر رجال العصابات بالعالم (آل كابوني) أن الرأسمالية هي العمل غير القانوني المشرع للطبقة الحاكمة. هو محق في ذلك تماما، والغريب أنه يأتي من رجل لا ينتمي لهذه الطبقة نظريا على الأقل، ولكنه بالرغم من ذلك استطاع السيطرة على بعض مفاصلها بالفساد والرشوة.

ويعاني العمال وهم القطاع الأكبر تأثيرا بالنمط الرأسمالي؛ حيث أنهم المصدر الأكبر للقيمة المضافة وكذلك الطرف الأضعف في المعادلة، وهو الطرف الأكثر تنميطا، سواء بنظم التعليم التي تنتج عمالا وموظفين، أو بنمط الإنتاج غير العادل.

واستطاعت النظم الرأسمالية الكبرى – على الأقل مرحليا – حماية عمالها وتقليل حدة التوتر، ووضع حد أدنى للحياة لهم، مما يقلل من ضغطهم للحصول على كامل حقوقهم في العمل. ولكن للخلل البنيوي في النظام، فإن شخصا ما في مكان ما يدفع ثمن ذلك، وهذا الشخص يكون دائما في الدول المستبدة التابعة اقتصاديا وسياسيا. ومصر أحد أكبر نماذج التبعية المستبدة، وبالتالي يتحمل العامل كل مساوئ النظام الاستبدادي، وكل مساوئ استخدام الطبقة الحاكمة لأدوات السلطة لحصاره وإفقاره وسرقته.

فلا حريات نقابية، ولا حد أدنى للأجور، ولا قواعد عادلة للتعاقد مع صاحب العمل، ولا قوانين حماية ضد استبداد رأس المال، ولا تأمين صحيا ولا أي شيء، ولا يمكن اعتبار ذلك علاقة عمل بقدر ما يمكننا وصفها بأنها استعباد. إن كل فئات المجتمع تحت الاستعباد في مصر، إلا أن العمال هم القطاع الأخطر والأهم والأكثر تعرضا للظلم. فقد حوّل النظام الرأسمالي العمال إلى أدوات للإنتاج، ولم يعد العامل قادر على البقاء حيا دون أجر العمل، ويعتبر ذلك أكبر جريمة قام بها النظام الحديث، فقد انهارت قدرة المجتمع الصغير والأسرة على إنتاج الحد الأدنى القادر على إبقائهم أحياء، وحولت النظم المدن إلى كانتونات لتخزين العمال حتى تحين الحاجة إليهم؛ دون حل من العامل للبقاء حيا إلا العمل في تلك المنظومة.

وفي مصر تزيد تلك المأساة؛ فأي محاولة للاعتراض تقابل بالعنف الشديد الذي قد يصل إلى القتل، فلم تعد المدن كانتونات عمال، ولكنها أصبحت سجونا مفتوحة تعمل بها بالسخرة لصالح الطبقة الحاكمة، والتي تعمل بدورها لحساب القوى الإمبريالية.

نحن إذن في مشكلة كبيرة.. مئات الملايين من البشر يفقدون القدرة على الحياة دون نظام العمل الحالي، محشورون في مدن في انتظار عروض العمل، وفي مصر أمام استبداد جنوني يسحق الجميع دون رحمة، ثم جاءت الطفرة التكنولوجية الحالية، والتي تستعيض بالروبوت المطيع الذي يكلف القليل للبقاء حيا، بدلا من العامل “المزعج” الذي يكلف الكثير، ولا زال يطالب بحقه، حتى الآن يطلق على يوم الأول من أيار/ مايو عيد العمال، وربما بعد سنوات قليلة – وقد بدأت بالفعل – تتغير الحالة، ويفقد مئات الملايين من العمال وظائفهم التي لم يعد لهم سبيل للحياة بدونها، وتتحول المدن إلى أطلال يسكنها بؤساء بفعل الروبوت، وينتقل أصحاب الثروة والسلطة إلى أماكن آمنة.

الغريب أن الكثير من الأعمال الفنية التي تتنبأ بالمستقبل ترسم هذه الصورة، فالروبوت هو من سيتحكم بالبشر، وهو من سيقضي عليهم. إن التكنولوجيا لا بد أن تكون لحماية البشر وليس تدميرهم، ولكن طبيعة النظام الرأسمالي القاتل للقيم لا يعطي اعتبارا للبشر إلا كونهم أدوات إنتاج، وأصبحت المصلحة الشخصية المرتبطة بالقوة هي العامل الرئيسي ومركز هذا النظام. ولهذا؛ لم يعد النظام بحاجة للعمال، فهم عبء لا بد من التخلص منه، لقد دمرت الرأسمالية الكثير من الجوانب الإنسانية، ولا زالت تستكمل مسيرتها بنجاح، وتحتاج لتكاتف كل من هم في مساحة العمال في كل مكان لإنقاذ البشرية.

لقد أدت الثورة الصناعية لحروب وتوسعات للقوى الإمبريالية؛ دمرت بها حضارات وأنظمة حكم، وأدت إلى مقتل مئات الملايين من البشر على مدى عدة قرون. وكان “عيد العمال” وما حدث يوم 1 أيار/ مايو نتاجا لتلك الفترة، والآن نحن في مسار ثورة تكنولوجية هائلة كان من الممكن أن تكون مفيدة للبشر، إلا أن قواعد النظام العالمي تشير إلى أننا على شفا عيد جديد سيظهر قريب، ألا وهو عيد “الروبوت”، وهو التطور الخطير الجديد قد يدفع إلى موجة جديدة مختلفة من إعادة تشكيل العالم.. وأعتقد أنها بدأت بالفعل.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *