سيناء التي كانت ولا زالت مسرحا كبيرا مجهولا لكثير من المصريين وهي منذ القدم؛ أهم منطقة استراتيجية لأمن مصر، فَجُل ارتباط مصر بالعالم يأتي من الشرق والشمال وأغلبه من الشرق. وسيناء ليست كتلة من الرمال ولكنها كما قال عنها عاشق مصر جمال حمدان صندوق من الذهب.
وكما أكد جمال حمدان أن سيناء التاريخية التي كانت ممرا حربيا ستصبح ميدانا للحرب؛ نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام وأخبرنا أن علينا إعمارها كي يكون المجتمع هو خط الدفاع الأول عنها.
ولكن يبدو أن أحدا لا يسمع أو بمعنى أكثر دقة من سمع لا يريد لسيناء أن تحمي نفسها وربما يحتفظ بها هكذا لأمر ما، والآن وبعد عقود كثيرة من تحول سيناء لساحة معركة ينبغي لنا أن نعيد شريط أحداث سيناء منذ انقلاب يوليو عام 1952 وحتى الآن؛ ونحاول توقع ما هو المستقبل القريب لهذه البقعة السحرية المسماة أرض الفيروز.
على عكس ما قاله النابغة جمال حمدان؛ كان دائما هناك حالة ما من الرفض لأي عملية تعمير لسيناء وزيادة عدد سكانها وحجم الاستثمارات بها بالرغم من الفرص الهائلة للاستثمار والتعمير بها، ولا يمكننا مع كل التطورات الجارية أن نكون حسني النية مع هذا الأمر، ويقترب من الذهن أكثر أن هذا مخطط للحفاظ على عدد السكان في الحد الأدنى وكذلك الاستثمارات حتى لحظة معينة يتم فيها مخطط ما لا زلنا نجهل الكثير من فصوله بحق أرض سيناء.
وبعد هذه الأعوام الخمس والستين؛ وفي رعاية كاملة مما يسمى الجيش لأرض سيناء نجد حالة من الانفصال النظري لسيناء عن باقي مصر لم يبق لها إلا الإعلان الرسمي، فهناك صعوبة في الوصول من غرب القناة لشرقها تماما كما يحدث عندما يريد محتل ما عزل منطقة متمردة عن باقي البلاد، وأيضا العزل الإعلامي شبه الكامل لكل ما يحدث في سيناء منذ الانقلاب العسكري حتى الآن؛ ليس فقط عزلا إعلاميا ولكنها محاولة احتكار لكل ما يصل من سيناء، وكأن العسكر الخونة يريدون إعادة إحياء أحمد سعيد الذي كان يصرخ أننا على أعتاب تل أبيب بينما الصهاينة يقتلون الجنود المصريين ويدفنوهم في مقابر جماعية، الآن أحمد سعيد لا يتحدث عن “العدو” القديم كما كانوا يقولون لنا الذي أضاع به نظام يوليو مصر كلها ؛ ولكنه يتحدث عن عدو جديد صناعة محلية ولا ندري أهو موجود حقا أم لا.
ومن خبراتنا التاريخية مع نظام يوليو الاستبدادي والذي تحول الآن إلى احتلال بالوكالة؛ ومع التسريبات المتتالية التي يبدو لي أنها لتقليل وقع الهدف النهائي؛ فهي مثل الضربات الخفيفة المتتابعة التي تضعف المقاومة أمام الضربة الكبيرة المتوقعة، يبدو أننا على أعتاب حدث مفصلي؛ قد يكون ما هو معلن عن تبادل أراضي مع الصهاينة أو ربما مقدمة لتواجد قوات أجنبية في سيناء بشكل رسمي.
الكارثة أن هذا يتم تحت سمع وبصر الجميع؛ ويبدو أن كل القوى الفاعلة القادرة علي المقاومة تعاني من مشاكل هيكلية تمنعها عن الفعل الإيجابي القادر على إنقاذ مصر أو ربما ترى أن المواجهة المباشرة جنون مدقع الآن، ربما هذا صحيحا؛ ولكن الواقع المؤلم ينبئنا أن كل شبر من أرض مصر لن يدافع عنه إلا القوى الشعبية والمقاومة الشعبية؛ فنحن لا نمتلك جيشا بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، فكل من يشاهد ما يحدث الآن في سيناء تحديدا ويظل حاملا سلاحه الذي يعلم أنه يقتل به مصر فهو قولا واحدا لا يختلف عن الجندي الصهيوني إلا في لسانه العربي وبطاقته الشخصية التي تحمل كلمة مصري، أما الحقيقة فهو واحد منهم سقط مع من سقطوا في بئر الخيانة.
فنحن الآن لسنا أمام صراع سياسي بتنوعاته ودرجاته التي قد نختلف حولها ولكننا أمام معركة وجود ليست فقط لقوى سياسية أو مؤسسات ما تسمى بالدولة؛ ولكننا أمام صراع وجود وصراع البقاء في التاريخ أو الخروج منه للأبد.
إن الساقطين في بئر الخيانة لطالما تغنوا بالوطن والوطنية؛ ولكنها لم تكن إلا غلافا لعمالتهم، وأثبتت الأيام والأحداث أن الثورة هي من كانت تؤمن بهذه الأرض وهذا الشعب وأن كل الشعارات التي التحف بها نظام يوليو ما هي إلا عباءات كاذبة أسقطت مصر فيما هي فيه الآن وأصبح كلمة الوطن لا تعني إلا قلة مستبدة لا تكترث بأرض أو عرض.
أما كل من يؤمن بهذه الأرض وهذا الشعب فعليه أن يستعد لمقاومة الاحتلال القادم بأي صورة كان؛ وعلينا أن نعد أنفسنا لمعارك ليس في سيناء؛ فقط فهي مقدمة لإعادة لرسم المنطقة كما يحدث في سوريا والعراق وليبيا والبقية آتية؛ فلن يجبرنا أحد علي المطالبة بما يدفعوننا إليه دفعا.
وكما كانت سيناء هي الأرض التي دافع عنها آباؤنا وأجدادنا؛ فيجب على أولادهم ألا يضيعوا الأرض التي تحتفظ بدماء أجدادهم حتي الآن، وربما تكون هي الأرض التي تنقلب فيها المعركة وتحدث توازنا جديدا؛ ربما، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ويأتي اليوم الذي ندخل فيه سيناء ونخرج منها دون تصاريح أمنية ونشعر بعد تحرير مصر أن سيناء فعلا أرضا مصرية برجالها وشيوخها، ونستطيع أن نقول وأرجلنا على فيروز أرضها؛ صباح الخير يا سينا.