عمرو عادل | المقاومة ليست جريمة

dsc_0126
ساسة بوست | «فورين أفيرز»: معاناة سيناء
مارس 15, 2017
Mohamed Morsi.
مرسي … الرئيس و الزعيم
مارس 18, 2017

عمرو عادل | المقاومة ليست جريمة

amr adel

تتعرض كافة الشعوب والحضارات على مر التاريخ لحالات من الاحتلال والاستبداد وهما صورة واحدة بأوجه مختلفة لاستغلال البشر، وكلا الحالتين “الاحتلال والاستبداد” هما محاولة لاستعباد قطاع ما من البشر لصالح قطاع آخر يستغل فارق القوة الكبير بكل أشكاله لفرض سيطرته.

وأدوات القوة التي يستخدمها الطرف الأقوى في محاولة فرض سيطرته متنوعة؛ ولكنها تنحصر في محورين هامين هما السيطرة على المجتمع باستخدام أدوات القوة المادية والمحور الآخر هو السيطرة على العقل، فالاحتلال يستخدم القوة المسلحة الواضحة عن طريق مؤسسات السلطة المادية التي ينتجها داخل المجتمع الذي يسيطر عليه مثل مؤسسات الأمن والدفاع، والغريب أن الكثير من المحتلين يصنعون جيوشا بالكثير من الدول التي يحتلونها؛ ولكنه في الغالب وفي معظم التجارب أثبتت أنها جيوش منفصلة عن مجتمعاتها وتميل أكثر لصالح الاحتلال القديم وكأنه حنين إلي الأصل.

 وكذلك يسيطر على مؤسسات السلطة الناعمة وهي مؤسسات العدالة ومؤسسات المعلومات والثقافة، وتحاول تفتيت أي مؤسسات مجتمعية تحاول منازعتها في كلا المحورين؛ سواء القوة المادية أو القوة الناعمة، ومن هنا تبدأ المقاومة عندما يحاول المجتمع بقواه الحية منازعة الاحتلال في هذين المحورين بمحاولة امتلاك قوى مادية أو قوى ناعمة، ويبدأ فورا الاحتلال في ضبط جريمة ما لكل من يحاول فعل ذلك، وقد ظهرت عدة مصطلحات تاريخية تشير إلى ذلك مثل التمرد والعصيان وغيرها من المفردات التي أخذت بعدا قانونيا، وحملت معنى جديد فرضه واقع الاحتلال؛ وكل هذه المصطلحات تشير إلى شيء يبدو للوهلة الأولي خاطئا أو على الأقل ليس صحيحا تماما، فالتمرد والعصيان ليسوا بالتأكيد فضيلة في حالات كثيرة ولكن استخدامهم كغطاء لتوصيف حالة المقاومة يحمل هدفا رئيسيا وهو تلويث المقاومة الإجبارية بمصطلحات تحتاج لحوار ولتفسيرات ونقاشات حتى ندرك أهي حالة تمرد أو عصيان صحيحة أم لا.

وفي حالة مقاومة الاحتلال هناك جانب لا يزال أخلاقيا يصعب إخفاءه وقليلا ما تحاول المقاومة الدفاع عن موقفها المعادي للاحتلال بصورته المباشرة؛ لأن العقل الجمعي للمجتمع يصعب إخضاعه لقبول الاحتلال المباشر؛ ربما يحاول المحتل تقليل جدوى المقاومة لكنه أبدا لم يستطع تطبيع الاحتلال وضبط العقل الجمعي على قبوله كأمر طبيعي. ومن الطبيعي أن تنشأ وتبدأ المقاومة في ظروف بالغة السوء بالنسبة لفارق القوة بين الطرفين؛ ففي الغالب لا يمكن احتلال مجتمع ما إلا عندما يصل إلى درجة كبيرة من الضعف تجعل من السهل عملية احتلاله، والمؤكد أيضا أن أي قوى احتلال تحاول أن تزيد من ضعف المجتمع حتى يبتعد عن فكرة المقاومة، لذا فإن المقاومة دائما ما تبدأ في ظروف ميدانية كارثية وفارق هائل في كافة محاور القوة ولا يمكن اعتبار ذلك معوقا للبدء بالمقاومة أو وصفها بالحماقة؛ حيث أن ذلك يجعلنا نصف كل أبطال التاريخ في كل الثقافات والشعوب على أنهم مجموعة من الحمقى.

وهناك خطورة كبيرة في التخلي عن منهج المقاومة في الصراعات الكبرى بسبب اختلال ميزان القوى، وللأسف تظهر بين الحين والآخر أفكار وأدبيات تحاول تسفيه مفهوم المقاومة بكل أشكالها واستخدام نفس أسلوب الاحتلال في تشويه المصطلحات لصالح زيادة القدرة على السيطرة؛ فتحاول بعض الأفكار حصر المقاومة في فكرة المقاومة المسلحة -رغم أنها أحد أدوات الصراع- ولكنها ليست الوحيدة بالتأكيد ويعتمد اختيار القوى المقاومة لها علي ظروف تتعلق بالكثير من العوامل تتغير بتغيير الزمان والمكان، وتلك المحاولة لخلط الأوراق هدفها انتزاع فكرة المقاومة من الصراع بشكل عام وهذا كما أراه هو أحد أدوات الاحتلال ورفيقه الاستبداد في إحكام السيطرة.

 وفي الحديث عن الاستبداد الذي هو أحد أشكال الاستعباد للبشر تماما كما هو الاحتلال وإن كان في الغالب يكون أكثر قسوة؛ حيث أن غياب الصورة المباشرة والنمطية للاحتلال تجعل الاستبداد قادر على التحكم بمساحات أكبر من القوة والوعي مع وجود غطاء مشروع وأخلاقي لها وسط قطاعات واسعة من المجتمع؛ وهذا يصعب بشكل كبير نشر فكرة المقاومة، إلا أن واقع ما يحدث في المنطقة العربية بشكل خاص يجبرنا على وضع الاستبداد والاحتلال في سلة واحدة؛ كما يجبرنا على الحديث عن المقاومة.

وهناك أشكال متعددة للمقاومة يحاول العدو بشقيه “الاستبداد وراعيه الاحتلال” أن يعاود نشاطه القديم المستمر في تشويه المقاومة بمصطلحات جديدة؛ ينفرد الاستبداد ببعضها كقلب نظام الحكم ومحاولة هدم الدولة وكأن الدولة أصبحت هم، ويشارك الاحتلال في بعضها كمصطلح الإرهاب وغيره. وكما أن مصطلح التمرد والعصيان يحمل في ذاته قدرا من الفعل الخاطئ؛ فكذلك المصطلحات الحديثة المذكورة بالأعلى، ولكنها تبقى دائما ليست صحيحة على إطلاقها واحتكار الاستبداد والاحتلال لها وخلط الأمور يجعلها أدوات لتشويه العمل المقاوم الحقيقي الذي لن يسلم من التشويه ما دام هناك احتلال واستبداد.

لذلك فعلى من يرى أننا في حالة تستوجب المقاومة فعليه أن يبتعد عن دعاة احتقار المقاومة في إطار انعدام تكافؤ القوى؛ وعليه العودة لكل تجارب التاريخ التي تخبرنا أن هذا هو الوضع الطبيعي ويمكن تغييره فقط بالمقاومة ولا شيء غيرها وعليه أيضا إدراك أن المقاومة أكبر بكثير من تلك المساحة الضيقة التي يحاولون حشرنا بها، فالكل قادر على المقاومة كل بما يملك.  وبمجموعة من المقالات المتتابعة؛ سنحاول التعرف على بعض تجارب المقاومة بعدة أشكال عبر التاريخ في أماكن مختلفة حتى ندرك أنها دائما ما تبدأ وسط انعدام كامل لتوازن القوى، إلا أن بقاءها وتقليل فارق القوى مرهون فقط باستمرارها.

المصدر: مدونات الجزيرة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *