تعتبر سيناء أحد مناطق الصراع الاستراتيجي بالمنطقة وخاصة بعد حفر قناة السويس؛ فحتى وقت قريب كانت القناة أحد أهم طرق التجارة الدولية؛ ولا زالت أحد المسارات الرئيسية لسهولة التواجد العسكري البحري في المنطقة، فأثناء الغزو البريطاني لمصر في نهاية القرن التاسع عشر كانت هي المدخل – بعد دك الإسكندرية المليئة بالبشر- لاحتلال مصر.
قناة السويس مشروع قديم منذ العهد الإسلامي وربما قبله، له بعض المزايا الهامة في مجال التجارة البحرية بين الشرق والغرب بشكل عام ويسهل الربط بين المشرق الإسلامي وغربه بحريا لاشك في ذلك، ولكنه في النهاية يسهل لغيرك أيضا التحرك بقواته البحرية من العدو الرئيسي بالمنطقة؛ وهي بالتأكيد القوة البحرية الأوروبية الغربية، وخاصة أن قناة السويس في تلك الفترة كانت في منطقة صحراوية بشكل كبير وبالتالي لا توجد أي قوى بشرية مجتمعية يمكنها الدفاع عن القناة.
كان الحل كما ذكر المؤرخ محمد إلهامي لتفادي المشاكل الاستراتيجية الناجمة عن قناة السويس وفي نفس الوقت الحصول على الميزات التجارية بربط الشرق بالغرب هو قناة بين البحر الأحمر ونهر النيل وهذا ما حدث، فقد حقق هذا الربط ميزة قدرة التبادل التجاري وفي نفس الوقت جعل أي قوى معادية تحاول استغلال القناة تمر في شريط مائي؛ وهو نهر النيل؛ محاصر بقوى بشرية هائلة مما يجعل مرور سفن حربية عملية انتحارية كاملة.
حُفِرت قناة السويس؛ ولم تكتمل عدة سنوات بعدها حتى احتلت إنجلترا مصر لتسيطر على هذا المحور الاستراتيجي، ومنذ هذا الوقت وأصبحت القناة نقطة استراتيجية ومركزا للصراع.
وبعد زرع الكيان الصهيوني وتحول المنطقة لأكبر مركز لإنتاج النفط لم يعد هناك مجال لفقدان أي درجة من السيطرة عليها، وكان من الضروري الإبقاء على القناة في تلك الحالة؛ مجرد ممر مائي خال من الحياة علي ضفتيه ما أمكن؛ وفي حالة وجود بشر على جانبيه فيكون في الحد الأدنى الممكن؛ وعلينا أن نتذكر أن كل مقاومة للعدو كانت في خط قناة السويس في حروب القرن الأخير منذ انقلاب يوليو 1952 كانت المقاومة من القوى المجتمعية في بور سعيد عام 1956 وفي السويس عام 1973.
وبالنظر إلى وضع القناة الحالي نجد في غربها محافظات السويس وبور سعيد والاسماعيلية سنجدهم في نهاية ترتيب عدد السكان في مصر ولا يأتي خلفهم إلا المجافظات الحدودية مطروح والوادي الجديد وشمال وجنوب سيناء؛ والغريب أن أقلهم سكانا هي محافظة السويس بالرغم من قربها الشديد من العاصمة القاهرة فلا يزيد بعدها عن 100 كم من حدود القاهرة شرقا. وهذا يأخذنا إلى سؤال ربما لم يطرح قبل ذلك. لماذا تم تهجير سكان هذه المحافظات بعد كارثة 1967؟
ربما من المنطقي تهجير السكان –أو بمعني أدق نزوحهم الإجباري- عند حدوث مواجهات عنيفة داخل تلك المدن وبداية تطبيق فكرة الأرض المحروقة على تلك المدن، أما في غالب الأحيان فإن القوى البشرية الموجودة في أي مدينة أو مكان هي أحد خطوط الدفاع الأولى عنها في حالة مهاجمتها وتحاول أي سلطة استخدام تلك القوى البشرية بعد تسليحها لمساعدتها في حماية المدينة، أما إخلاؤها في حالات الحرب دون مهاجمتها مع وجود حاجز مائي فاصل بينها وبين العدو فهو سؤال يحتاج إلى إجابة، ربما كان الهدف هو تقليل النمو السكاني بها وعسكرة تلك المنطقة بالكامل! ربما.
على أية حال قد أصبحت تلك المدن الثلاث فعلا هكذا؛ عدد محدود من السكان؛ والأرض تحت سيطرة ما يسمى الجيش الثاني والثالث الذي يحاصر المدن الثلاث، وليس ذلك فقط؛ بل أصبحت المحافظتان المنسيتان في خريطة مصر شمال وجنوب سيناء الأقل في عدد سكان مصر كلها معزولتان بالكلية عن باقي مصر، فقناة السويس وتفريعاتها المتنوعة خط عزل رئيسي، والممرات المتوجهة إلى سيناء من الوادي جميعها تحت سيطرة ما يسمى بالجيش المصري.
لماذا يسيطر الجيش على تلك الممرات بشكل كامل ومباشر مع أنها ليست ممرات حدودية؟ أو هكذا نظن أنها ليست حدودية. فالجيوش دائما تظهر عند الحدود، فلا نجد مثلا بين بور سعيد ودمياط سيطرة لوحدات عسكرية على طرق المواصلات بينها ولكن بالتأكيد ستجد نقطة حدودية بين غرب بور سعيد في الوادي وشرقها في سيناء.
نذهب إلى سيناء أرض الفيروز كما قالوا لنا ولكن لم يذكر لنا أحد جملة تكميلية لماذا لا نستفيد من أرض الفيروز تلك منذ الخمسينيات حتى الآن؟ لماذا بقيت هكذا الأقل في عدد السكان والأقل في الاستثمارات – باستثناء فترة الاحتلال الصهيوني الذي حاول الاستثمار فيها في أقل من 10 سنوات احتلال-؛ لماذا عبر خمسة عشر عاما قبل كارثة 1967 وعبر 30 عاما منذ منتصف الثمانينيات حتى الآن لم يستفد أحد من أرض الفيروز التي يتغنون بها؛ لماذا بقيت بدون عمق سكاني وهي خط الدفاع الأول عن مصر؟ لماذا نرى لون الأرض الأخضر على يمين خط الحدود في فلسطين ونرى صحراء قاحلة في غربه؟
لا إجابة من أحد ويجبرنا ذلك على المحاولة، وأثناء محاولة الإجابة أصدرت سلطات السطو المسلح على مصر قرارا بضرورة إصدار تصريح أمني للدخول إلى سيناء، هل هي دولة أخرى؟
كثيرا ما نحاول إبعاد الأفكار السيئة عن أذهاننا بمحاولة فرض أفكار مطلقة تأتي من التعريفات الأكاديمية؛ مثلا كأن الجيش هو مجموعة مسلحة من البشر هدفها قتال جهة معينة لتحقيق هدف معين، ويأتي دور العقل ودور الوعي لتحديد ما هي الجهة المعينة وما هو الهدف المعين، والكثير يفترض قطعا أن الجهة المعينة التي يقاتلها الجيش المصري هي الصهاينة وبالتأكيد أيضا أن الهدف المعين هو حماية الحدود، وهذا ما تحاول كل أجهزة صناعة الوعي في مصر تشكيل العقل الجمعي المصري به، وعندما تجد كافة الأحداث والمقدمات تشير إلى أن الجهة المعينة التي يقاتلها ما يسمى الجيش المصري هي الشعب المصري الذي يطمح في الاستقلال وأن الهدف المعين لما يسمى الجيش المصري هو السيطرة على المجتمع والعمل كمرتزقة لحساب مشروعات استعمارية؛ تجد صعوبة في تصديق ذلك مع الحجم الهائل من الضغط على الذهن لرسم صورة معاكسة.
على أية حال فالأمور تسير إلى تفتيت مصر لصالح مشروع ما؛ وأحد القوة الضاربة لهذا المشروع هي ما تسمى مؤسسة القوات المسلحة المصرية وسيناء حالة شديدة الوضوح لا تحتمل تأويلا، وننتظر كارثة ما لا ندري أبعادها وتفاصيلها على حدود مصر من كل محاورها وتلك الكارثة أكبر من الإجراءات والمناورات السياسية والأوراق والأحكام.