هناك ببرج العرب بالإسكندرية هتافات تعالت لجماهير غفيرة, مساكين تناسوا الفقر والغلاء وقلة الدواء. في مصر المسروقة ولأجل هدف كروي في مرمى الخصم؛ الفريق الغاني, تعالت هتافات (الله أكبر. الله أكبر) وفي نفس المكان والزمان وبنفس الهتاف صرخت أصوات أمهات وزوجات: (الله أكبر .. وحسبنا الله ونعم الوكيل) وهن يسمعن عن ذويهن؛ معتقلي سجن برج العرب, رجال الحق وهم يذوقون من ألوان السحل والتعذيب, وقد مُنع عنهم الدواء والزيارات، وأخواتنا وأمهاتنا يحملن أولادهن, ويقفن بالخارج في البرد القارص وفي العراء محتسبات.
وفي التوقيت ذاته, على أرض سيناء تحرز طائرة بدون طيار للعدو الصهيوني عشرات الأهداف لتسقط على منازل سيناء المكلومة, فتقتل الأطفال والبنات والشيوخ وبمعونة مجرم الانقلاب ولولا سقوطها ما عرفت الجماهير الغافلة بالجريمة النكراء .
وفي الشوط الثاني من المباراة يدخل الهدف الثاني مرمى غانا وتشتعل مدرجات برج العرب بالتصفيق والهتاف ثانية: (الله أكبر. الله أكبر) وكأنه فتحت خيبر, وهناك من قلب فلسطين صدى التصفيق بالقدس يرج مبني الكنيست الصهيوني بعد إقرار الأغلبية منع صوت الأذان “الله أكبر” بالقدس المحتلة. وبسرعة إذ بصيحة (الله أكبر) تعلو أرجاء القدس فجرا من حناجر المقدسيين.
وعلى جانب آخر، مبارزة لقائد العالم الجديد, فقد عُقدت مباراة سياسية في بيت أبيض قلبه أسود، تابعها القاصي والداني فاز بها السوبر مان (ترامب- البعبع) ليكمل ما بدأ رفقاء الدرب في تسيير وتسييس أمور (الهمل)؛ في منطقتنا؛ حكاما ومحكومين.
والرعاع هم أصل الحكاية. إنهم أخطر شيء على الأمم, فمن أثر جهلهم تُقتل الحرية وتداس ويضيع الحق والعدل، فهم هملٌ مستخَفٌ بهم، عبيد سلطة، أهل بطون وسرير، يعيشون ليومهم بل لساعتهم وبعدها تفرج!! هي ثقافة متدنية تربّوا عليها, فمنذ زوال الاستعمار لعب الغرب على هذا الهدف الرابح (صناعة الطواغيت والرعاع). فرعون يتكئ على رعاع ويستخف بهم!
إن مدى التقدم والتأخر والعلم والجهل والحرية والديكتاتورية والفكر والتخلف للأمم، يُقاس بكمّ الرعاع والهمل بين أهل الحق وأهل الباطل، لقد صنع الاستبداد شعوبا سماهم الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد) الرعاع, يقول عنهم ” إن عبيد السلطة هم غير مالكين أنفسهم، ولا هم آمنون على أنهم يربون أولادهم لهم، بل هم يربون أنعاماً للمستبدين، وأعواناً لهم عليهم” ا.هـ
تلك هي الحكاية، بين الفوز على غانا وخسارة الجزائر؛ كرة يجري وراءها أشاوس ومن حولهم يهتف الهمل على نصر هزلي، ومن خلفهم أمة تُقتل وتُذبح وتُستباح، هكذا قتل ودمار في حلب الشام واليمن وفي موصل العراق، وكان الصدى الصهيوني على سماء وأرض سيناء والقدس المحتلة، وفي مصر لا يزال التنكيل بإخواننا رجال الحق في سجونها وشوارعها . أزمات تلو أزمات في بقاعنا، والرعاع لا يلقون لها بالا.
والسؤال: أي الناس أنت؟ فلا على الهمل تعود الحرية، ولا تُبنى البلاد على الرعاع, ولا على عموم الناس يتنزل النصر, ولكن النصر يتنزل على الرجال، وهم الغرباء القلائل الرواحل فـ (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) البقرة، ويقول تعالى (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) غافر.
رجال الله (رجال الحق), يدخر لهم الله الجزاء الأوفى في الدنيا قبل الآخرة. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة. رواه البخاري ومسلم. والرواحل في سجون مصر وسهول الشام والعراق وأنفاق غزة. في الأرض مطاردون مشردون.لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم. موقنون في وعد الله وعلى هذا هم صابرون محتسبون, مصلحون ناصحون, قال الله تعالى عنهم ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ( 170 ) الأعراف. حالهم ما قال شاعر الثورة العرابية عبد الله النديم :
لنا جلد على جلد يقـينا ** إذا زاد البلى زدنا يقينا
يصرخون في وجهه الطغاة, يعلنوها بقوة: لا وألف لا. ولا يزالون يرددون مقولة الشاعر أحمد مطر:
طفح الكيل وقد آن لكم أن تسمعوا قولاً ثقيلاَ.
ارحلوا ..أم تحسبون أن الله لم يخلق لنا عنكم بديلا؟
أي إعجاز لديكم؟ هل من الصعب على القرد إذا ملك المدفع أن يقتل فيلا؟
أحملوا أسلحة الذل وولوا لتروا كيف نُحيلُ الذلَّ بالأحجار عزًا ونذلُّ المستحيلا.
فأي الناس أنت؟ إن للحق رجالا وها هم الآن قد عادوا، قدوتهم صحابة رسول الله، الذين صبروا وعلى الله توكلوا وله أسلموا، لقد دارت حروب بين رسول الله وكفار مكة استمرت ثلاث عشرة سنة استخدموا فيها كل الحيل ومارسوا كل الأساليب وارتكبوا أبشع الجرائم وانتهكوا الحرمات وعقد صلح الحديبية برغم رفض الكثيرين من الصحابة له, وبرغم ذلك لم تصبهم العجلة للأخذ بالثأر ولا خرج من فم مؤمن لفظ.
فلعل الله يبرم ويخبئ لدعوته وعباده المخلصين أمراً وظننا به سبحانه كما أبرم لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكان التمكين بعد الاستضعاف، والعز بعد الانكسار، ومن الناس الآن من يسير على هذا الدرب خلقاً وعبادةً ويقيناً وجهاداً وليس بينهم النبي, وهذا بلاغ الله لهم بالبشرى “وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (3) الجمعة.
أما الرعاع والهمل فدعك من حكايتهم؛ فسيتجرعون الندم هناك (إذا وقعت الواقعة) يوم يرفع الله أناسا ويخفض آخرين، ويقولون لكبرائهم (إنا كنا لكم تبعا) فلا ينفعونهم, فدعهم يلهثون وراء بطونهم على الطرقات خلف طغاة مجرمين قتلة، يستمدون قوتهم من هؤلاء الرعاع, وبين هؤلاء وهؤلاء رجال أفذاذ يجوعون ليشبع الناس, ويسهرون لينام الناس بل ويموتون ليحيا الناس،
على هؤلاء يتنزل النصر(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)غافر.
الحكاية: إننا نعيش مباراة، هي سنة الله ، حيث التدافع بين الحق والباطل ليميز الله الخبيث من الطيب, وبطل هذي الحكاية رجالٌ للحق عرفوا، وسطروا في صحائف المجد مجدا بما بذلوا، وعلى سُلم العلا سموا ودرجوا. وهناك ممثلون مجرمون طغاة، خانوا الأمانة ولأجل كرسيٍ قتلوا شعوبهم وحرقوا وسرقوا، ومن بينهم “كومبارس ” هملٌ رعاع، كما دخلوا إلى الدنيا فقراء؛ خرجوا .
يقول عنهم الإمام حسن البنا ويحذرنا ” سيقف جهل الشعوب لحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم وستجدون من العلماء الرسميين من يستغربون فهمكم للإسلام وينكرون عليكم جهادكم” ا.هــ يرحمه الله ولا نزال ننتظر النهاية.. فأي الناس أنت في هذي الحكاية؟
المصدر: علامات أونلاين.