أكدت رئيس المجلس الثوري المصري، مها عزام، أن تعويم الجنيه المصري، وما نتج عنه من ارتفاع للأسعار، ليس إلا أحد دلائل ما وصفته بالتغيير الجذري في مجرى الاقتصاد السياسي المصري.
وقالت -في تصريح لـ”عربي21“-: “لا أعني هنا ما سمعناه من تعليقات عن النتائج قصيرة المدى لتخبطات منظومة الانقلاب، وإنما أقصد التغيير الأساسي في هيكلة الاقتصاد السياسي المصري، الذي نخشى أن يتجذر حتى وإن أُطيح بقائد الانقلاب”.
وأضافت: “الاقتصاد المصري قبل 25 يناير كان مبنيا على أساسين توأمين؛ فمن ناحية، سمح لطبقة رجال الأعمال وللجيش (كهيئة اقتصادية) التداول الاقتصادي في ظل هيكل اقتصاد السوق المفتوحة، ولكن قُدم لهذا القطاع معونات حكومية أخذت شكل الفساد والسرقة، ما سمح لهذا القطاع أن يبني قاعدة هائلة من الثراء”.
وتابعت “عزام”: “من ناحية أخرى، قُدم للشعب والمواطن البسيط معونة أخذت شكل تحديد سعر الجنيه، ومن ثم تحديد الأسعار، ومعونات في أسعار السلع الغذائية، ما سمح لطبقة رجال الأعمال وللجيش أن يخدروا الشعب أثناء سرقته”.
وأضافت: “أما التغيير الذي حدث الآن، فهو القرار السياسي ليس من قبل قائد الانقلاب (عبدالفتاح السيسي) وحسب، وإنما من قبل النخبة الاقتصادية كلها، بما فيها الجيش، وذلك للخضوع لرغبة المؤسسات المالية العالمية في ضم مصر إلى معسكر اقتصاد السوق المفتوحة”.
وأشارت “عزام” إلى أن “هذه المؤسسات المالية العالمية تزعم أن مثل هذا التحول الجذري من اقتصاد شبه مدعوم إلى اقتصاد مفتوح هو مفتاح النمو في المدى الطويل، لكن هذا الزعم النظري يتجاهل بعض الحقائق”.
وذكرت أن “أساس هذا النمو المزعوم هو إفقار غالبية الشعب، والسؤال هنا: كيف يتم ذلك؟ وهذا يحدث من خلال تعويم العملة وانهيار الجنيه، وما جرى في واقع الأمر هو تخفيض لمعاشات ودخل الفقراء بنسبة 40%، أي أن دخل الفرد أصبح تقريبا نصف ما كان عليه؛ لأن الأغلبية العظمى من ما يستهلكه الشعب من أساسيات مستورد ويثمن بالدولار”.
وأوضحت رئيس المجلس الثوري أن “هذا الانهيار في الدخل سيزيد من قدرة اليد العاملة المصرية على التنافس عالميا، لكنه يفعل ذلك من خلال قطع معاشاتهم بشكل فعلي، وإعطاء الفائض للمستثمر الأجنبي لا للعامل والاقتصاد المصري”.
وأكدت أن “قبول اقتصاد السوق المفتوحة لا يعني نهاية الفساد، فهيمنة طبقة رجال الأعمال والجيش كهيئة اقتصادية على مفاصل الدولة الاقتصادية يعطي هذه الطبقة الإمكانية في الاستمرار في تحويل الثروة الوطنية من الشعب إلى جيوبهم، سواء من خلال السرقة المفتوحة أو من خلال الفساد (مثل بيع المصانع أو الأراضي إلى منتفعين بأثمان بخيسة أو عقود حكومية احتكارية للسلع الأساسية توهب لرجال أعمال مقربين من النظام)”.
وأضافت رئيس المجلس الثوري أن “مصر اليوم اقتصاديا غير مصر قبل انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، فتراكم الديون التي تحولت إلى جيوب المنتفعين من الضباط ورجال الأعمال يحملها شعب مصر على عاتقه، وسيظل يحملها الشعب دون الانتفاع بها، حتى بعد الإطاحة بقائد الانقلاب، وهذا التراكم يعني أن مصر قد أصبحت بالضرورة رهينة للمؤسسات المالية العالمية والدول الخليجية التي أقرضتها”.
وأكملت: “هذه المؤسسات وهذه الدول لا تكترث بأن الأموال حولت إلى حسابات المؤسسة العسكرية أو إلى رجال الأعمال، فالدين محمول على عاتق مصر كدولة، وإصرار المؤسسات على المضي قدما في طريق اقتصاد السوق المفتوح لن يتوقف حتى وإن أطحنا بالسيسي”.
وأردفت: “لذلك، حين نقيم مدى تواطؤ الذين مكنوا للانقلاب ممن خرجوا في 30 حزيران/ يونيو 2013 أو عملائه، أمثال البرادعي أو غيره، أو من دعا للانقلاب من الإعلام والنخب وغيرهم، أو الذين أيدوهم من الضباط والقضاة، علينا ألا نتحدث فقط عن محاسبتهم على ما نتج من جرائم القمع والقتل والاغتصاب في السنوات التي تلت الانقلاب، بل يجب محاكمتهم أيضا على مساهمتهم في تدمير الاقتصاد المصري، حيث سيبقى الشعب لعقود يعاني من الانهيار، بعدما حكم عليه هؤلاء -بفعلتهم هذه- بالفقر لعقود”.
وأكدت “عزام” أن “الضرر الذي يعاني منه الاقتصاد القومي ومن ثم الأمن القومي، والذي تسبب فيه عملاء الانقلاب الذين مكنوا له، ليس أقل جرما وخطرا من تقويض مصر كدولة، فهو بالفعل خيانة للشعب بكل أطيافه ولأجيال المستقبل؛ ولذلك على الثوار أن يدركوا جيدا أن إزاحة رئيس الانقلاب لن تكون حتى بداية لانعكاس هذا التدهور الاقتصادي، إلا إذا قرن بتغيير جذري ثوري في الهيكل الاقتصادي والسياسي المصري”.
المصدر: عربي 21.