في صباح ربيعي ماطر، قرر رجال حول يوليوس قيصر قتله؛ فكاسياس وبروتس وأعوانهم انهالوا على يوليوس بالطعنات حتي بعد سقوطه جثة هامدة، سقط قيصر بعد طعنة بروتس حيث قال الجملة الشهيرة: “حتي أنت يا بروتس؛ إذا فليمت قيصر”.
بروتس وأصدقاؤه من نخبة روما حين قرروا قتل القيصر لم يتآمروا كعصابة من القتلة ولكنهم كانوا يملكون زمام الكلمات والمنطق بحيث أصبح القتل أخلاقيا والتآمر والخيانة حالة وطنية ملأت نفوسهم وعقولهم لإنقاذ روما، فالقيصر أصبح عقبة في طريق روما التي يريدونها، ليست القضية الآن ما هو شكل روما التي يريدونها وهل هي أفضل أم أسوأ ولكن القضية هي طريقة الحل لروما الأفضل.
واستطاعت نخبة روما أن تقنع نفسها أنها علي الصواب وأن مصالحها المنهارة بسبب يوليوس ستعود، لا لم يكن كذلك عفوا بل لم يناقشوا مصالحهم أصلا؛ ولكنهم ناقشوا مصلحة الوطن التي ستكون أفضل بدونه.
وبينما كانت جثة يوليوس ملقاة في الشارع وحولها “الوطنيون” ممن قتلوه بملابسهم المخضبة بدمائه؛ جاء أنطوني ليحمل جثة قيصر وينعاه، وطلب أن ينعاه أمام الجماهير، تقدم بروتس أولا وأعلن عن طهارته وأنه قتل القيصر لأنه وطني وأن “القيصر طماع يريد كل شيء”.. هكذا قال بروتس؛ وهكذا اقتنعت الجماهير وبدأت في الهدوء وكاد دم قيصر أن يذهب هباء.
لم يستطع بروتس أن يمنع أنطوني من الصعود للحديث؛ فلم تكن الدونية قد وصلت – حتى بالمتصارعين- إلى الحد الذي نراه الآن؛ كما أن الجماهير وإن لم تختلف كثيرا عبر التاريخ إلا أن النخب هي التي تغيرت كثيرا كثيرا، صعد أنطوني وأظهر لهم حقائق ثاروا بعدها وتحركوا يحرقون بيوت الخونة ودخلت البلاد في حرب أهلية طاحنة، فالرجال قبل أن يكونوا قادة فهم رموز للأفكار.
هذه الحكاية تتكرر بشخوصها وأفكارها سواء بأفراد أو جماعات فهناك من يلعب دور القيصر وهناك أنطوني وبروتس، فهم موجودون طوال التاريخ في دوائر متعاقبة بوجوه مختلفة؛ ودائما ما تبقى الخيانة، وربما يمكننا محاكاة تلك الحادثة الشهيرة بما يحدث في مصر؛ فعلى مدى طويل يطعن بروتس يوليوس قيصر وأيضا نجد أنطوني الذي يحاول حمايته حتى وهو مطعون مقتول.
يثور سؤال يبدو ساذجا؛ ماذا لو عاد يوليوس قيصر للحياة؟ ماذا كان سيفعل مع الخونة؟ نحتاج للإجابة حقا، لا أعتقد أن الحاضر البائس الآن في مصر يجعل أي منا يحسم إجابته؛ فنحن نرى يوليوس قيصر النسخة المصرية بعد أن عاد للحياة يقابل بروتس بكل ترحاب؛ فلا يجب على أحد إذن أن يسخر من السؤال ذي الإجابة البديهية؛ لأن أمورا كثيرة يستطيع بها بروتس المفوه أن يجعل كاسياس وقيصر أصدقاء مرة أخرى.
فأنا أرى بين الحين والآخر بروتس المصري ويده ملوثة بدماء القيصر المصري؛ وأرى أيضا القيصر ودمه ما يزال ينزف يتعانقون وسط حالة من ذهول أنطوني.
في أسطورة إغريقية نجد سيزيف يقوم بعمل لا ينتهي؛ فهو يدفع صخرة ضخمة من أسفل تل ليصل بها إلى أعلاه، ولكنه في كل مرة وقبل النهاية بقليل يسقط منه إلى أسفل ليعيد الكَرَّة مرة أخرى، كانت هذه عقوبة الآلهة الإغريقية وياله من عقاب مؤلم؛ ليس العقاب فقط في صعوبة العمل ولكن العقاب الأكبر كما أرى هو إصرار سيزيف علي الاستمرار في نفس المحاولة بنفس الطريقة وانتظار نتائج مختلفة. هناك سيزيف مصري أيضا ولكنه توحد مع قيصر المصري وأصبح سيزيف يوليوس إن صح التعبير، فهو ليس بقيصر المغدور ولا سيزيف البائس.
سيزيف يوليوس يدفع بحجره لأعلي حاملا بروتس علي كتفيه وقبل النهاية يطعنه بروتس وأصدقاؤه ويهبط بمفرده وبحجره إلي أسفل، فيجد بروتس أخر يحمله ثم يطعنه ثم يهبط بحجره هكذا مرات عديدة ولا زال سيزيف يوليوس يحاول عسى أن يجد بروتس مختلفا ليحمله دون أن يطعنه؛ ولم يحاول مرة واحدة أن يسعى إلى الصعود بدونه ولم حاول حتى البقاء بالأسفل وترك بروتس ومن معه يصعد التل وحده دون التسلق على كتفيه ودون طعنه.