كثيرة هي التحديات التي واجهتها ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الأول وكم كانت عظيمة تلك التضحيات التي قدمها المصريون لنجاح تلك الثورة، وكم هي نبيلة تلك الأهداف التي قامت من أجلها هذه الثورة المباركة، وكم كانت وضيعة تلك المؤامرات التي تمت لإفشال مكتسبات ثورتنا.
ولعل أشد تلك المؤامرات التي تعرضت له ثورتنا حتى الآن هي مؤامرة سهرة 30 يونيو/حزيران 2013 وما بعدها.
فحين خرج جمع من المصريين يعلنون أنهم ضد الحرية التي اقتنصها الشعب المصري من دولة العسكر، وأنهم ضد خيارات الشعب الديمقراطية، وأن لا مانع لديهم من عودة العسكر للسلطة وإزاحة النظام الذي اختاره الشعب المصري لكي يحكمه حتى وإن أدى ذلك إلى انهيار الوطن!!
حالة من الكره غير مفهومة لخيارات الشعب الديمقراطية، وتعقيدات نفسية مركبة، ومصالح ذاتية متشابكة دفعت أبناء سهرة 30 يونيو إلى تفضيل سقوط الوطن في يد عصابة العسكر والتلاعب بمصير الشعب المصري حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.
وأثناء سقوط مصر في تلك الهاوية لم يصادف أحداً من هؤلاء وخز من ضمير على آلاف الشهداء الذين سالت دماؤهم عقب سهرتهم المشؤومة أو شيء من التأفف بسبب أحكام إعدام صدرت ونفذت ظلماً على أبرياء أو ضيق لحال عشرات الآلاف من الأبرياء داخل سجون العسكر، أو حزن على تفريط العسكر في مياه النيل، أو شيء من النخوة لأعراض انتهك داخل مقرات الاعتقال، أو غيرة على الوطن بسبب ما يفعله العسكر مع أهلنا في سيناء… إلخ.
لكن مع وجود بعض الأزمات التموينية في اللحوم والسكر والألبان وجدنا أن البعض من هؤلاء قد أفاق من غفلته؛ ليحدثنا ويحاضرنا عن حقوق الفقراء، وهو يعلم جيداً أن المطلب الأول لثورتنا كان لصالح هؤلاء الفقراء وهو “العيش”.
إن حقوق الفقراء والأغنياء من المصريين لن تأتي إلا على يد النظام الذي اختاره الشعب لنفسه، فهذا النظام كان أحرص الناس على أن يحصل الفقير أولاً على كامل حقوقه من دولته، وبالرغم من أن مقالي لا يخص حصر ما فعله الرئيس مرسي المنتخب ديمقراطياً من الشعب لصالح الطبقات الفقيرة، فإنه يجب أن يتذكر الناس ما قام به الرئيس لمصلحة الفقراء دون الإضرار بالأغنياء؛ ففي 30 يونيو 2012 أصدر الرئيس مرسي قراراً جمهورياً بمنح العاملين بالدولة علاوة قدرها 15% من الراتب الأساسي، وفي 11 سبتمبر/أيلول 2012 أصدر الرئيس قراراً جمهورياً بإسقاط ديون الفلاحين المستحقة لصالح بنك التنمية والائتمان الزراعي أقل من عشرة آلاف جنيه، وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 أصدر الرئيس قراراً بقانون بتعديل قانون كادر المعلمين، وفي غضون شهر ديسمبر/كانون الأول 2012 تم رفع العلاوة الاجتماعية والضمان الاجتماعي للعاملين بالدولة من 15 إلى 20%، وفي 13 ديسمبر 2012 تم إقرار القانون الذي يقضي بتحديد الحد الأدنى للأجور وقدره 1200 جنيه، والحد الأقصى للأجور وقدره 50000 ألف جنيه، وفي 8 يونيو 2013 تم إطلاق المشروعات الصغيرة، بإجمالي تكلفة 713 مليون جنيه لتمويل 5000 ألف مشروع في مجالات مختلفة وتوفير 45 ألف فرصة عمل، وغير ذلك الكثير والكثير مما لا يتسع المقام لذكره.
إن فقراء مصر إذا قاموا فلا سبيل أمامهم لاستعادة حقهم المسلوب وثرواتهم المهدرة إلا بعودة الرئيس الشرعي محمولاً على الأعناق إلى موقعه داخل مكتبه في القصر الرئاسي.
إن الجميع يدرك المكونات المختلفة للشعب المصري وتنوع فئاته وطوائفه واختلاف مكوناته الفكرية والأيديولوجية أن التجربة المريرة التي عاشتها مصر قد أثبتت للجميع بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا سبيل لخروج مصر من أزماتها واستعادة حقوق الشعب المصري المهدرة، وثرواته المسلوبة التي استولى عليها العسكر إلا بعودة السيادة مرة أخرى لهذا الشعب، وأن تعود الشرعية كاملة غير منقوصة والتي اختارها الشعب لنفسه لكي تحكمه، أما استغلال فقر الناس وحاجاتهم الأساسية من أجل فرض وصاية جديدة عليهم، سواء كانت وصاية عسكرية أو مدنية، فهذا يعني استمراراً لسرقة ثروات الشعب واستخفافاً بالمصريين وتآمراً على إرادتهم، ويعني أيضاً أن الانقلاب على الشرعية ما زال قائماً، ولكن بوجوه جديدة، وهذا كله يعني أن ثورة المصريين ما زالت قائمة.
نعم لكل الدعوات الصادرة التي تحرض المصريين على النزول لاقتلاع دولة العسكر الفاسدة من جذورها، ولكن من يظن أنه بذلك سوف ينجح في فرض وصاية جديدة على الشعب المصري بعيداً عن الشرعية وخيارات الشعب الديمقراطية، فهو واهم؛ لأن ثورة الشعب المصري ليست بهذه السذاجة التي يظنها البعض فهي ثورة امتلاك الإرادة وكلفتنا أرواحاً ودماً، ولن نقبل أن تتحول إلى ثورة جياع أو انتفاضة مَمّ.
وليد شرابي
نائب رئيس المجلس الثوري المصري
.المصدر: هافينغتون بوست