ما زلنا نفاجأ كل يوم بما صار إليه حالنا في مصر؛ ليس في مصر فقط ولكن في كل هذه المنطقة التي استطاعت الوصول إلى معدلات أسطورية في تحطيم ذاتها بكل حماس.
كان علينا ألا نتفاجأ حين قالت السيدة الإيطالية واصفة ما حدث مع ابنها “قتلوه كما لو كان مصريا”. شيء مختلف أن تكون جنسيتك نموذجا يحتذي به. أذكر بعد ما حدث في يناير عندما تسابق قادة العالم في التغني بالمصريين؛ وقالوا لشعوبهم كونوا كما المصريون؛ لا أعلم؛ ربما كانوا صادقين.
أما الآن فقد أصبحنا كما قال الأستاذ حازم صلاح أضحوكة العالم؛ لم نصبح أضحوكة العالم فقط بل أصبحنا مضرب الأمثال في الظلم والقهر، فقد وقفت السيدة وألقت قنبلتها في وجوهنا وأظهرت كرامتنا المنتهكة في بلادنا، هل كان علينا أن نحزن هكذا أو نغضب هكذا؟ إنني لا أستطيع توصيف ما أحسست به بدقة عندما ألقت بعبارتها؛ فهي كانت كالصخرة التي سقطت على رؤوسنا أو ربما كانت مثل القشة التي قصمت ظهر البعير.
عندما أعدت عبارة “كما لو كان مصريا” وجدت أنها ليست فقط في أن نقتل بهذا الشكل البشع؛ ووجدت الكثير من الأشكال التي تبدو هذه العبارة صالحة؛ فنحن نقتل كما لو كنا مصريين ونثور كما لو كنا مصريين ونخدع كما لو كنا مصريين، فهي ليست للقتل فقط ولكنها صالحة للكثير من أفعالنا التي نبدو فيها مصريين.
فنحن نقتل وتحرق جثثنا علي الهواء مباشرة؛ ويلهو ضابط بقنبلة فيلقيها في عربة ليضحك قليلا فيحرق ويشوه العشرات، لا مشكلة؛ فقد تعودنا أن نقتل هكذا، حدث ذلك مرات ومرات وأصبح ذلك القتل فعلا عاديا عند أصحاب الزي الكاكي والأسود. حدث في الثمانينيات مع جنود الأمن المركزي وفي التسعينيات مع أهالي الصعيد وفي العقد الحالي مع الجميع، إنه شكل القتل في بلادنا يكون دائما هكذا كما لو كان مصريا.
ونحن أيضا نثور كما يثور المصريون؛ فقد اعتبر المصريون أن ما حدث ثورة هائلة – وأنا كنت كذلك حتى أواخر 2012 – ولا أعلم ولا أستطيع تفسير لماذا كنا كذلك؟ كنا يمكن اعتبارها مقدمات ثورة أو حالة ثورية ينبغي استمرارها أما أنها ثورة حتى بالمفهوم العادي فهذا ما لا أستطيع فهمه الان؛ وكأننا نسينا التاريخ وأسقطنا كل دروس الماضي القريب والبعيد؛ ولكن نحن نثور أيضا كما لو كنا مصريين. أوربما نحسن خداع أنفسنا كما لو كنا مصريين.
نحن نستمتع بالخداع، فنرى شرفاء الجيش الذي أضاع كل شيء في مصر منذ خمسينيات القرن الماضي، أضاع السودان وأضاع سيناء وأضاع الشعب المصري كله ولا زلنا نرى شرفاء الجيش؛ الذي مر عليه ثلاثة أجيال منذ انقلاب يوليو الأول في 1952 استطاع ضبط كل أدواته ليلفظ أي احتمال باق للشرف فيه. ولكن “كما لو كنت مصريا” ستظل تردد هذه المعزوفة المصرية أن الجيش جيشنا وهو عنوان “الوطنية”.
واستمرارا لكما لو كنت مصريا ستجد الكثيرين مستمرين ومخدوعين سواءا لأنه اعتاد على ذلك أو لأنه يستمتع بخداع نفسه، ربما لأن ذلك أكثر أمنا، فالملك الجديد غير القديم و نضيع أعواما نبني فيها مدنا من السراب ثم تأتي اللحظة الكاشفة ولا نجد غير الوهم والسراب.
ولأننا تحت عنوان كما لو كنت مصريا سيظل البعض يحاول في نفس المسار بنفس الأدوات أن يثبت نفس الأقوال القديمة التي تثبت كل مرة أن علينا أن نفكر جميعا بطريقة أخري ولكن ماذا سنفعل؟ كيف ننفلت من تلك العبارة الخانقة “كما لو كنا مصريين”.
إنها بالتأكيد ليست دعوة للانفلات من مصريتنا ولكنها دعوة للانفلات من طريقة التفكير تلك التي زرعت فينا زرعا عبر عقود من التدمير الممنهج لكل قدراتنا وملكاتنا ولا أستثني أحدا، فقد أصبحنا أسرى مربعات محدودة نتحرك فيها في دوائر لا تنتهي وكأنه تيه كتيه بني إسرائيل كتب علينا البقاء فيه، إن الخروج من تلك الدائرة التي نحاول إيهام أنفسنا بأقوال من الوهم الواضح يستلزم أولا إسقاط الأوهام والخروج من تلك الدائرة الفاسدة والتعامل مع الواقع بكل أبعاده وليس الواقع الذي نأمله.
فالملك لا يختلف عن سابقه وأصحاب الزي الكاكي والأسود هم أعداء الشعب والوطن و يبيعون الأرض والعرض، عند تلك النقطة يمكن أن نقول أننا خرجنا من دائرة كما لو كنا مصريين.
وشكرا للسيدة والدة المغدور ريجيني على مقولتها الحكيمة.