رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري
الكوليرا والطاعون ما زالت في بلادنا
أبريل 6, 2023
رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري
التحرك نحو الحدود الآمنة
أبريل 6, 2023

كيف تنهي صراعا وجوديا؟

رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري

رئيس المكتب السياسي في المجلس الثوري المصري

كيف تنهي صراعا وجوديا؟

عندما اجتاحت جحافل أوروبا الأمريكتين وجدوا عالما جديدا ولكنه مليء بالبشر “المزعجين” ؛ مجموعة من البشر المختلفين جذريا في عاداتهم وأخلاقهم، وهؤلاء البشر أصحاب الأرض سيصبحون عائقا غير قابل للتجاوز أمام أحلام الغزاة الجدد حاملي “الحضارة”، وفي هذا التناقض تأكد الغزاة أنهم أمام صراع وجودي والذي أرى أن أحد الطرفين عليه كسر إرادة الطرف الثاني بشكل كامل وساحق ويستمر في قتله بلا رحمة حتى يرضخ لإرادته رضوخا شاملا.

هذه ما فعلته “الحضارة الغربية” مع سكان الأمريكتين ولم يتوقفوا عن القتل حتى كسروا إرادة الباقي وانتهوا إلى احتلال القارتين في واحدة من أكبر الجرائم في التاريخ كله. ومن المهم أن نعلم أن السكان الأصليين استمروا في المقاومة أربعة قرون كاملة في ظل خلل حاد لتوازن القوي وحققوا انتصارات في معارك عدة ضد الغزاة. أربعة قرون كاملة من المقاومة وصراع الإرادات حتي القرن التاسع عشر عندما اجتاح الملايين من أوروبا القارة الجديدة، هذه هي الطريقة الأولى للقضاء على خصمك في الصراع الوجودي وهو تدميره تدميرا شاملا ماحقا حتى يركع لك.

في بداية القرن العشرين كان هناك صراع وجودي آخر بين النظام الجديد الذي تشكل في ظل سيادة الدولة القومية وبين المنظومات القديمة في الحكم، فجميعها في حالة عداء بنيوي مع الدولة القومية وخاصة النموذج الإسلامي، وكان الصراع صراعا وجوديا أيضا ولم يكن نموذج الأمريكتين مناسبا فكان نموذج جديد بالشريف حسين وتوماس إدوارد لورنس “لورانس العرب”.

وجد لورانس حالة متوافقة مع النموذج الجديد فيما تسمى الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين. فداخل تلك الأمة الكبيرة التي كانت تحت لواء الحكم العثماني بنموذج مختلف مهما كان مترهلا؛ كانت هناك كتلة “قومية” توافقت مع نمط السلطة الجديد المراد فرضه بالقوة على الجميع؛ ففي القرن العشرين غير مسموح إلا بنموذج واحد يساعد في استقطاب الثروة وتركيز السلطة في يد رجال المرحلة الجديدة.

كان لورنس يتجول بالملابس العربية وسط الجزيرة وما حولها؛ وكان يعلم أنه على طريق النجاح لتدمير المنظومة القديمة، وربما علينا أن نسأل أنفسنا هل كان الشريف حسين والأمير فيصل يظنون فعلا أنهم سيملكون أمرهم بعد “التحرر” من العثمانيين”؟ أعتقد – ولا أريد أن أقول أجزم – قطعا لا؛ إذا لماذا قبلوا مساعدة الإنجليز؟

هذه هي الطريقة الثانية في الصراعات الوجودية أن تبحث عن مساحات مشتركة ظنية بين طرفين – وهي في حقيقة الأمر غير موجودة في الصراعات الوجودية – ويدرك الطرفان أنها مساحات مُختَلقة ليست حقيقية ولكنها الحاجة لصناعة أي مساحة مشتركة تخرج الصراع من الصراع الوجودي إلى صراع المصالح وحتى يحدث ذلك لابد من صناعة تلك مساحة وإن كانت غير موجودة.

في “الثورة العربية” نشأت دول وممالك “مستقلة” ولكنها ليست كذلك، لأن المساحات المشتركة الزائفة لا تنتج إلا نتائج مُتخَيلة زائفة.

كانت “الثورة العربية” خنجرا ساما في ظهر الدولة العثمانية من داخل بنية المنظومة، فالتفتيت من الداخل أحد وسائل الصراع؛ و لن يرفع قادة “الثورة العربية” إلا شعارات الثورة والتحرر وسيلعنون بالتأكيد كل من يقاوم الإنجليز ويحاربهم فهم “المحررون والأصدقاء” مع انهم يعلمون الحقيقة. من المهم معرفة أن عشرات الآلاف من العرب من كل مكان في الأمة دافعوا عن إسطنبول دفاعا بطوليا وتشهد مقابر الشهداء في إسطنبول على أسماء بلادهم.

جنوب أفريقيا كانت نمطا ثالثا للصراع الوجودي بين السود أصحاب الأرض والمستعمرين البيض، صراع شبيه بما حدث في الأمريكتين ولكن بشكل مختلف ونتائج مختلفة؛ بدأت المقاومة الشاملة ضد التمييز العنصري وأصرت القيادة على الاستمرار وقررت أن “لن نعاني وحدنا… فلنعاني جميعا”. انتهت الأمور بعد سنوات طويلة من المقاومة وسط فارق هائل للقوي بانتصار السكان الأصليين وانكسار إرادة الغزاة.

الاختراق من الداخل لتحويل وجهة الصراع من صراع وجودي لصراع مصالح أو كما يطلق عليه الآن صراع سياسي والبحث عن مساحات مشتركة متخيلة هو أحد الأدوات؛ كما أن القتل الشامل هو الحل الآخر حتي كسر الإرادة، هذا الطريق الذي يسلكه الطرف الأقوى في الغالب، وليس أمام الطرف الأضعف إلا طريقين؛ الأول هو البحث عن مساحات متخيلة ربما يعرضها عليه الطرف الأقوى أو يجتهد هو ليحاول الوصول إلى تلك المساحات المتخيلة التي تقنع الطرف الأقوى، أو يقاوم بكل أدواته المتاحة والمقاومة قد تذهب به إلى الأمريكتين أو إلى جنوب أفريقيا لا يمكننا الجزم بالتأكيد.

إن الهدف هو إنهاء الصراع الوجودي إما بالبديل الحاسم وهو الإبادة، وفي معظم المواقف في التاريخ لم يتمكن الأقوى من إبادة الأضعف بل استطاع الطرف الأضعف كسر إرادة الأقوى كما في فيتنام وأفغانستان وجنوب أفريقيا؛ ولا ننكر الفشل في بعض المواقف بالتأكيد.

البديل الثاني بتفتيت إرادة المقاومة وأحد أهم الأدوات في ذلك هو النزول بمستوى الصراع في العقل الجمعي للمقاومين المحتملين من صراع وجودي إلى صراع سياسي وذلك بالترويج للمساحات المشتركة المٌتخيلة.

بدأت في الفترة الأخيرة في الصراع بمصر الدفع بتلك المساحات المتخيلة من بعض الأطراف، سواء من داخل سلطة السطو المسلح أو من داخل قطاعات ضد الانقلاب العسكري، وهذه في الغالب مقدمات لشيء ما سيحدث، ولهذا يجب على كل المقاومين والمقاومين المحتملين طرح عدة أسئلة على أنفسهم قبل الدخول في مسارات ربما تكون كارثية.

أولا :ما طبيعة الصراع في مصر؟ وهل ينطبق عليه مفهوم الصراع الوجودي بين الشعب وبين سلطة السطو المسلح؟

ثانيا: هل هناك أي مساحة مشتركة حقيقية بين الكتلة المقاومة للانقلاب العسكري والحكم العسكري بشكل عام وبين سلطة السطو المسلح؟

ثالثا: هل المساحات التي يروج لها الآن في منابر إعلامية عدة بين الكتلة المقاومة وسلطة السطو المسلح مساحات حقيقية، أم أنها المساحات المتخيلة الواجبة للهبوط بمستوى الصراع؟

رابعا: هل تفضل المقاومة بصرف النظر عن نتيجتها النهائية، سواء بالانتصار أم الهزيمة، أم تفضل البحث عن المساحات المتخيلة؟

هذا ما سنحاول فعله لاحقا بعد أن يحاول كل منا الإجابة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *