العامل المصري كغيره من المصريين من غير ذوي الحظوة؛ يعاني مما يعاني منه كل فقراء مصر. فهو يخرج من منزله صباحا ويعود ليلا ليعطي جزءا من عمره وحريته لشخص آخر، وهذا الشخص الآخر لا يرى في عماله إلا وسيلة لزيادة ربحه وتعظيم “استثماراته”، ولا يحصل العامل إلا على ما يبقيه حيا هو وأولاده، تماما كماكينات المصنع فهي تعمل وفقط تعمل؛ ولكن ربما حالها أفضل؛ فعندما تتوقف عن العمل لعطل أصابها يصاب هذا الآخر بالقلق حتى يعيدها إلى سيرتها الأولى، أما العامل فهناك الكثير منه فلا داعي للقلق.
فالسوق “الحرة” صنعت فائضا من البشر البائسين الذين يبحثون عما يسد رمقهم، ولذلك يقبل العامل بأي شيء، يبقيه على قيد الحياة بينما تزداد ثروات صاحب رأس المال التي تشعر في ملمسها بالدماء وفي رائحتها بالقهر.
ربما يرى البعض أن هذه مبالغة وأن هذه هي طبيعة الأمور، إلا أن الأمر الثابت هو أن الحق في عائد القيمة المضافة لا يمكن أن ينسب لرأس المال فقط ولكن حتما لابد أن يكون للعمل وبالتالي للعامل حق فيها، هذا ما لا يراه البعض أو لا يريدون رؤيته.
وفي مصر نموذجا صارخا لحالة قهر كامل للعامل؛ فهو لا يحق له الاعتراض خاصة بعد انقلاب يوليو 2013، فالمحاكمات العسكرية جاهزة ومعدة للجميع وأصبح الإضراب أو حتي التهديد به جريمة تستدعي المحاكمة العسكرية، وأصبح مجرد التفكير في أي شكل من أشكال الاحتجاج العمالي أو حتى التنظيم العمالي النقابي هو تحدي لسلطة الدولة.
ولذلك فالعامل المثالي في نظر الدولة المصرية لابد أن يتسم بصفات خمس حتى لا يتهم بتحدي “الدولة” ، أولها أن يتذكر دائما أن المصنع هو امتداد طبيعي للوسية؛ فلا داعي لترديد عبارات قانون العمل أو حق المشاركة في الأرباح أو الحق في العلاج، فكل هذه الأمور ليست حقوقا بل تعني عند الدولة أنك لا تحب مصر؛ فالذي يحب مصر لا ينتظر منها شيئا.
والثاني أن يظل وحده في مواجهة كل ما يتعرض له من ظلم، فلا حق له في عمل نقابي؛ فكل النقابات العامة أصبحت نوادي تأييد للدولة يتبارى أعضاؤها الكرام في حب مصر ويبدو أن حب مصر في ذهنهم يتناسب طرديا مع مدى ظلم العمال. وحذار إن حاول أن يستقوي بزملائه في صورة تجمع نقابي مستقل؛ فهذا هو تحد أيضا لسلطة الدولة ودليل على عدم حب مصر.
والثالث أن يحافظ على أدوات قهره؛ فعليه أن يتعامل مع رؤسائه بكل احترام وخوف، ولا بأس من تحمل بعض الإهانات من أجل مصر، كما أن عليه أن يتعامل مع معداته ويحافظ عليها كما يحافظ على أولاده؛ لا ليس كذلك؛ بل عليه أن يحافظ عليها أكثر منهم؛ فلا بأس أن يترك أولاده بلا طعام ولكن معداته لا تحتمل ذلك من أجل الإنتاج أو من أجل مصر.
هذه الصفات الثلاث هي الصفات الرئيسية لأي عامل يريد أن يبقى على قيد الحياة، وهناك صفتان أخرتان لمن يريد أن يكون من أصحاب الحظوة أومن القيادات العمالية النقابية.
أولهما أن يكون عينا مراقبة على زملائه؛ ليس من أجل جودة العمل أو ما شابه ذلك؛ فمن يفعل ذلك فسيظل من أدوات العمل وجزءا من البؤساء، أما المراقبة المعنية هي أن يصبح عينا لأصحاب العمل على أقرانه؛ فمن أجل مصلحة مصر لابد أن يشعر الجميع بالمراقبة الدائمة حتى يتراجعوا عن أي فكر هدام، وهذا الفكر الهدام في مصر الآن هو محاولة تحقيق العدالة.
وثانيهما أن يسبح بحمد القيادات أيا كانت وأيا كان السبب، فمهما كانت الأحوال فهم دائما على الحق.
عندما يتحقق الشرطين الأخيرين يصبح عاملا مميزا ويصبح نقابيا رسميا، ففي مصر النقابي المثالي هو من يمثل مصالح السلطة ويحفظ مصالح أصحاب رأس المال، أما النقابي الذي يحاول حماية العمال والبحث عن حقوقهم فهو من أصحاب الفكر الهدام.
لقد تحول مجال العمل في مصر في كل مجالاتها غير السلطوية إلى شكل يشبه الاستعباد القديم، فلا قانون يحمي ولا نقابة تدافع ولا مقابل مادي. فلم إذا يبقى العمال في هذا العذاب الدائم؟
ليست المشكلة فقط في نمط نظام العمل وخاصة الصناعي ولكنها مشكلة في الاحتكار الذي قامت به منظومة الحكم في مصر لكل ما يمكن أن يساعد العامل من قوانين خاصة بالعمل أو الحرية النقابية، ويعاني العامل بالإضافة إلى ذلك كما يعاني كل المصريين من الإرهاب الذي تمارسه الدولة بسلاحها ضد كل الشعب.
إن الحلول ليست جاهزة ولكنها مرتبطة بشكل رئيسي بتحرير مصر من الحكم العسكري، فهذه هي الخطوة الأولى لتحرير العامل على الأقل من الاستعباد المباشر الحالي. والعامل أيضا مطالب بمحاولة تحرير نفسه سواء بمحاولة الاستقلال عن عبودية العمل؛ وذلك بإنتاج أي شيء يمكنه توفير حياة مشابهة على الأقل لما يعيشها ولكن بعزة وحرية، أو إدراك حالة الظلم الشديد التي يعيشها وسط منظومة مستبدة ظالمة لا تعبأ به، وكذلك ضرورة إدراك أنه ليس من العدالة أن يعاني وحده؛ بل العدالة ألا يعاني الجميع.