كانت المهمة شاقة -كالعادة- لفهم وإدراك ما يقصده عبد الفتاح السيسي أمام حضور مؤتمر ميونيخ للأمن، نهاية الأسبوع الماضي، وذلك نظرا لما تتميز به أحاديثه من الضحالة والتأتأة واللعثمة. وبعد جَهد جهيد، تبيّن لنا ما يريد إيصاله للغربيين، فإذا به صورة مكررة مما كان حسني مبارك يردده كل حين؛ أن احذروا المنتمين إلى الإسلام على أراضيكم، وراقبوا مساجدهم فهي أماكن تفريخ للمتطرفين والهدامين المتربصين بمجتمعاتكم.
وما دام المؤتمر عن الأمن، فلِمَ لم يتطرق السيسي للحديث عن أمن شعوب كاملة من المسلمين تعرضت وتتعرض للعنف والاضطهاد والإبادة داخل القارة الأوروبية والشرق الأوسط ووسط وأطراف آسيا، أو ما يقوم به هو ضد شعبه من قتل وتنكيل وهدم وتشريد؟ لكن السيسي لا يهتم بذلك، فكل اهتمامه مُنصَب على ما يشنّف به آذان الممولين.
ويشاء السميع العليم أن يأتي تحريض السيسي على مسلمي الغرب في منتصف شهرٍ يُظهر فيه شبابهم لمحات من إنسانيتهم وتحضّرهم وانتمائهم لهذه المجتمعات التي وُلدوا أو هاجروا إليها، بفعل الظلم والاستبداد والتخلف الذي وضعهم فيه السيسي وأمثاله من جهلة العسكريين عقودا متتالية، وها هو يطاردهم ويحرّض عليهم، والأولى أن يقوموا هم بتعريته وفضحه أمام العالمين على ما تقترفه يداه من إجرام ضد شعب مصر المسالم.
وفي هذا الشهر بالذات، يقوم الشباب المسلم في بريطانيا بتنظيف شوارع الأحياء التي يقيمون فيها، ويقدمون الطعام مجانا للمواطنين الذين لا مأوى لهم، وينظفون المساجد ويتبرعون بالدم في الشهر مرتين، ثم يفتحون المساجد للزائرين من غير المسلمين ليتعرفوا على الإسلام، دين السماحة والحب والتعاون على البر والخير.
وتقام الصلوات الخمس يوميا في المساجد، وفيها أيضا تعقد الندوات وحلقات القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية وعزاء الأموات، وهي نشاطات شبيهة بنشاطات المساجد التي كان السيسي يحث أولاده على ارتيادها وقت أن كان يخاطبهم على جواله بصوت مرتفع في اجتماعات مجلس الوزراء، متعمدا وصولها لمسامع رئيسه الدكتور محمد مرسي، وهي أيضا مثل المساجد التي كان يؤدي فيها صلاة الظهر خاشعا باكيا.
وما سيغتمّ له السيسي، أن كثيرا من المساجد في الغرب كانت كنائس هجرها أصحابها أو انقرضت طوائفهم، وأن ملكة بريطانيا كرمت إمام مسجد في لندن لحمايته إرهابيا قتل مسلما أمام المسجد حتى تسلمته الشرطة منه، أي أن المسلمين هم المعتدى عليهم، وأن الدين الإسلامي أسرع المعتقدات انتشارا بين الناس في العالم، وأنه في الوقت الذي يحرّض فيه على المسلمين، فإن الفاتيكان يعقد مؤتمرا مصيريا لرجال الدين الكاثوليك لمجابهة الاعتداءات الجنسية منهم على المترددين والأطفال في الكنائس، مما أشاع استياء المواطنين منهم.
حظي السيسي في مؤتمر ميونيخ للأمن (الذي حضره الرؤساء والأمراء والوزراء ومديري الموساد وإيفانكا ترامب) بحفاوة غير عادية. فلقد أكد لهم أنه يسهر على أمنهم وسلامتهم بمحاربته الإرهاب وتحكّمه في الهجرة. أما الإرهاب، فمعظم المحللين يتهمون السيسي بأنه هو الذي يصنع الإرهاب ويطيل من أمده، وأما الهجرة فهي أحد مصادر التسوّل الذي أتقنه السيسي. وكانت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية كريمة معه جدا، حينما منحته في البداية نصف مليار يورو، وفي هذا المؤتمر وهبته 250 مليون دولار، وهما يعلمان أن هذه الأموال لا يستفيد منها الشعب المصري، حيث لا تدخل في الميزانية العامة للدولة، وليس عليها رقابة من أي نوع، إلى جانب أن تدفق المهاجرين على مصر في محاولة الوصول إلى أوروبا منحت السيسي وعصاباته وفرة غير محدودة في مصادر سرقة الأعضاء البشرية، وتشير التقارير إلى اعتلاء مصر قمة هذه التجارة في العالم. ويظهر أن السيسي اعتقد بأن هؤلاء الرؤساء بلهاء فقام بعد عودته من المؤتمر بسلسلة من القتل وتنفيذ أحكام الإعدام الظالمة، رغم مناشدة الجماهير والجهات الحقوقية وقفها.
إن جرائم حقوق الإنسان التي يرتكبها السيسي والمتمثلة في القتل والخطف والهدم والتشريد والسطو على أموال المواطنين، سواء بالغلاء الفاحش أو النصب ومصادرة الممتلكات والهدم والتهجير والتشريد تتم عيانا بيانا وجهارا نهارا، والعالم يشاهدها وربما يباركها، وها هي دول الاتحاد الأوروبي تصطف وراء السيسي تؤيده ماديا ومعنويا، رغم معرفتها بجرائمه التي يسحق بها الشعب المصري، فكأنها تقول: مع القاتل المجرم المختلس للحفاظ على أمننا وسلامتنا حتى آخر قطرة دم مصري وآخر قرش في جيب مصري..