عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وصول العدوى بفيروس “كوفيد-19” مرحلة الجائحة، تسابقت حكومات الدول وهيئاتها الصحية في الاستعداد لمواجهة انتشار المرض الناتج عن العدوى بالفيروس إذا ما بدأ في إصابة مواطنيها. وخلال فترة وجيزة طغى موضوع الفيروس على ما عداه، وأصبح هو الشاغل الأول لأجهزة الحكم في كل أنحاء العالم. وتوقع المراقبون أن الدول ستتنافس بل ستتناحر فيما بينها على توفير المستلزمات الطبية والمعدات الضرورية، وعلى رأسها أجهزة التنفس لدرجة أن الكيان الصهيوني أوكل لجهاز الموساد هذه المهمة، فلربما يحتاج الصهاينة لخبراته في الاختراق وتخطي القوانين والأعراف أثناء هذه الأزمة.
وكما ذكرت الأوساط الصحية، فإن فيروس كورونا قد تطور عديد المرات وأصبح خبيثا قاتلا، فكان لزاما أن تكون مواجهة الفيروس وانتشاره بجميع ما تملكه المنظومة الصحية في كل دولة، وأن تتقدم للتصدي له كل مكوناتها من الأطباء والصيادلة والممرضين والفنيين والعاملين رجالهم ونسائهم. وتم استدعاء كل من ترك الخدمة في السابق ولم يتخط الخامسة والستين، ومعهم من يرغب من المواطنين في التطوع للقيام بعمل يناسبه، فتدفق الآلاف مستجيبين. وقامت الجهات المعنية في كل دولة بتوفير معدات الوقاية الشخصية للعاملين في الخطوط الأولى للمواجهة، مثل القفازات والكمامات والنظارات وواقي الوجه البلاستيكي والأردية والأحذية الطويلة، كما قامت الجهات الصحية بتصميم النياشين لتوزيعها على الفرق الطبية التي تقود المواجهة ضد الفيروس، واعتمدت الحكومة البريطانية مبلغا ماليا كبيرا يتسلمه ورثة كل من يسقط ضحية أثناء علاجه للمصابين بالمرض.
واعترافا بجهد العاملين في قطاع الصحة وتقديرا لدورهم، فقد قامت المجتمعات على اختلاف فئاتها بتقديم العديد من مظاهر الامتنان لهم، مثل تعيين وقت خاص للتسوّق قد يصحبه تخفيضات في أسعار السلع، والقيام بتوصيل الطلبات مجانا لأماكن العمل أو السكن. وفي دولة مثل بريطانيا تخرج الأمة كلها أمام المنازل مساء كل خميس للتصفيق الجماعي لعدة دقائق، وفي أمريكا تقوم الطائرات الحربية بالطيران فوق المؤسسات الطبية كعلامة شكر وتقدير للعاملين بها. هذا وقد اعتمدت دول كثيرة ميزانيات ضخمة لتعويض المتضررين من توقف دخولهم وأعمالهم.
لكن الأمر كان مختلفا تماما في رد فعل الكيان الانقلابي في مصر على إعلان منظمة الصحة العالمية الخاص بفيروس كورونا، حيث قوبل بالإنكار وعدم المسئولية، وانطلقت أبواق الكيان الإعلامية تشيع بأن أكثر من 80 في المئة من المصريين لديهم مناعة ضد العدوى بالفيروس، وعزت ذلك إلى وجبات غذائية بعينها يتناولها المصريون منذ زمن الفراعنة.
وبينما العالم يطبق خطط الطوارئ المدروسة والمبنية على البراهين في التصدي للفيروس، كان كيان السيسي يفسح المجال الإعلامي للمدلسين لترويج أكاذيبهم عن علاج المرض، فظهر “اللواء” عبد العاطي مرة أخرى يبشر بالتوصل لوسيلة للقضاء على الفيروس، وآخر يقسم بأن تناول كوب من عصير البرسيم لمدة ثلاثة أيام كفيل بالمناعة ضد المرض.
وغرض سلطة الانقلاب من ذلك هو الإيهام بأن الأمر تحت السيطرة، متجاهلة إحساس الناس بطمأنينة كاذبة وبتصديق خرافة أن المصريين عنصر عصي على اختراق الفيروس لأجسادهم، في وقت لا يبشّر واقع الأمر بخير مطلقا، فالناس يتساقطون من الإصابة بالفيروس. وقد ذكرت وزيرة صحة الانقلاب أن 30 في المئة من المرضى بالفيروس يتوفون قبل الوصول للمستشفيات التي أغلق الكثير منها بسبب إصابة العاملين فيها بالعدوى.
وبينما تقوم الدول بفحص المصابين من مواطنيها مجانا دون استثناء، فإن تكاليف إجراء الفحص بمختبر وزارة الصحة لا يقدر عليه سوى الموسرين، ولهذا لا توجد إحصائيات صادقة تدل على نسبة أعداد المرضى بالفيروس في مصر، والذين حينما تصعد أرواحهم إلى بارئها يكون تسجيل سبب وفاتهم هو الالتهاب الرئوي، دون ذكر الفيروس.
سيلاحق الخزي والعار كيان السيسي الذي استثمر في شقّ صف الشعب المصري إلى سادة وعبيد وأخيار وأشرار، وزرع البغض والضغينة بين المصريين. فبدلا من الشعور بالفخر من قيام أفراد الفرق الطبية من أبناء الوطن بمواجهة الفيروس في الصفوف المتقدمة، نجد قطاعات من المصريين تنتهج مسالك الكراهية فيما بينها، بحيث يتنكر الناس للمصابين بالمرض، ويرفض الأبناء تكريم آبائهم عند موتهم، ويحول الأقارب والجيران دون تشييع ودفن الموتى في مقابرهم.
ولكي تزداد الصورة قتامة وتتحوّل المصائب إلى كوارث، فقد أوحى السيسي منذ يومين لأذرعه الإعلامية الفاسدة الكاذبة بالبدء في تهيئة المواطنين لرفع الحجر وعودة التجمعات مرة أخرى (وهي أصلا لم تنقطع سواء في الأسواق والمواصلات، اللهم إلا في المساجد)، وهم يقصدون بها المصانع وأماكن الدراسة والسياحة، حتى تدور عجلة الإنتاج ولا يموت الناس من الجوع. وقام إعلام السيسي الموجّه بدغدغة مشاعر المصريين واصفا إياهم بأنهم صبورون ولديهم تحمّل وجلَد، لكنه لم يذكر لهم أين ذهبت المئة مليار جنيه التي وعدهم السيسي بها للتخفيف من وطأة كورونا وعواقبها عليهم، والتي قد تنقذهم من الجوع أو من الفيروس.
هذا الوضع المزري للانقلابيين وطريقة تعاملهم مع المواطنين المذعورين من خوف الإصابة بهذا الفيروس المميت، دفع بجهات حقوقية للمطالبة بتغيير طرق الحماية من الإصابات واتباع أسلوب حضاري في علاج المصابين. وهو الذي أيضا جعل المجلس الثوري المصري يقوم بمخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الصحة العالمية ورئيسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، للمطالبة بالتدخل الفوري وممارسة أعلى درجات الضغط على السلطة الانقلابية لاتباع خطة معترف بها، كما تفعل الدول الأخرى في مقاومة انتشار الفيروس، وإطلاق سراح المحبوسين في معتقلات السيسي القميئة والتي بدأت أنباء وفيات نزلائها من العدوى بالفيروس تتسرب من داخلها.