يلهث الكيان الانقلابي في مصر وراء الحصول على شرعية لحكمه بعد انقلاب مفضوح على حكم ديموقراطي جاهد شعب مصر من أجله ستين عاما، ولتحقيق هدفه الباطل قامت زعامة الانقلاب – مستترة وراء فوهات البنادق ومحتمية بجنازير المدرعات – بعمل ما لم يفعله الأعداء، حينما فرطت في حق مصر في غاز شرقي المتوسط لإسرائيل واليونان وقبرص، ومنحت إيطاليا وبريطانيا عقودا للتنقيب عن الغاز في مياهنا الإقليمية بأبخس الفوائد على مصر.
وأقدمت تلك العصابة على تدمير رفح المصرية واستعداء أهلنا في سيناء بالقتل والتهجير لا لسبب سوى حماية أمن الكيان الصهيوني، وتنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية في صفقة مشبوهة اتسمت بالخداع والكذب، وأقرّ رأس الانقلاب تفاهمات واتفاقيات بناء سد النهضة الإثيوبي مقابل أماني ونوايا حسنة.
حدث كل هذا في غياب شعب بأكمله بممثليه ومفكريه عن المشاهد كلها، مما أغرى دولا وكتلا عالمية باغتنام فرصة بيع الوطن بأدنى الأسعار في مقابل لهفة الكيان الانقلابي على صك اعتراف بشرعية زائفة، وها هي سلطة الانقلاب تُقدم على مصيبة جديدة دون علم المصريين لتنضم إلى نكبات العسكر وتصرفاتهم السفيهة، ألا وهي كارثة المهاجرين.
فمنذ أن حصلت تركيا على 3 مليارات يورو مع وعد بمثلها مستقبلا نظير قيامها باحتواء المهاجرين في أراضيها ووقف تدفقهم إلى أوروبا (تركيا صرفت من عندها 10 مليارات يورو حتى تلك اللحظة في آذار/ مارس 2016م)، ومنذ ذلك الوقت وشهية زعيم انقلاب مصر تتطلع إلى خطوة مماثلة، خاصة وأن المهاجرين المصريين والأفارقة يستخدمون الساحل المصري لعبور المتوسط إلى الجنوب الأوروبي.
ولقد كشف غرق قارب المهاجرين قبالة ساحل رشيد الدور الذي يلعبه عسكر مصر في الاتجار بالبشر، حيث ظل القارب خمسة أيام في عرض البحر قبالة نقطة حراسة بحرية يستقبل قوارب المهاجرين من الشاطئ، وما أعقبه من تراخٍ واضح في عملية الإنقاذ والتي قام بها الصيادون من تلك المنطقة، وكل ذلك ليساوم قائد الانقلاب العسكري الأوروبيين: إما الدفع وإما أُطلق عليكم المهاجرين، فتركيا ليست بأفضل منا!
وصلت الرسالة إلى أوروبا التي تعلم أنها بصدد كيان متسوّل جاهز ومُجرّب في التفريط والتنازل عن ثروات مصر؛ دون اعتبار لا إلى تاريخ أو سيادة أو شعب، فتبنت ألمانيا الموضوع وأرسلت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية اثنين من مستشاريها مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري إلى القاهرة، هما كريستوف هوسغين وجان هيكر، للتفاوض حول خطط محتملة لإعادة المهاجرين من أوروبا إلى مصر، وكذلك سبل إعادة زوارق المهربين.
وكما ذكرت صحيفتا “الصنداي تايمز” و”الأسترالي” يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي أن السلطة الانقلابية في مصر تسعى في مقابل ذلك إلى الحصول على امتيازات تجارية ومساعدات، وتعزيز التعاون الأمني، وكذلك توسط ألمانيا والاتحاد الأوروبي في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي (حيث جاء القرض مخيبا لآمال الانقلابيين فالدفعة الأولى منه لتسديد ديون مستحقة للشركات الأجنبية).
فماذا يعني اتفاق المهاجرين في مجمله؟
أولا: تخلصت أوروبا من مشكلة المهاجرين.
ثانيا: ستذهب فوائد الصفقة إلى جيوب الطغمة العسكرية كما حدث لمليارات الدولارات من دول الخليج، وكما هو ظاهر من غياب أي خطة لاستغلال قرض البنك الدولي.
ثالثا: وجهة المهاجرين – وستظل – أوروبا عبر مصر، وسيعيد المهاجرون المُرحلون الكرّة، مما يمثل عبئا على قوات الحدود والبحرية المصرية.
رابعا: مشكلة المهاجرين مزمنة، وسيستمر طوفانهم بمرور الوقت، مما يجعل التحكم في أعدادهم مستحيلا.
خامسا: سيجد المهاجرون فرصا عديدة للإفلات من الرقابة والتوجه نحو الأماكن المأهولة، مما سيحمل معه ازدياد معدلات البطالة والجريمة وتجارة الأعضاء البشرية.
سادسا: لا يقرّ القانون الدولي استعمال العنف – الذي هو سمة الأمن المصري – مع المهاجرين، وتكرار الإدانة ربما يعقبه عقوبات أممية.
سابعا: ذكر قائد الانقلاب أمام الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي أن في مصر 5 ملايين لاجئ (غير صحيح، لكن استخدم الرقم للابتزاز). ومع توقع ازدياد أعداد المهاجرين للسنوات أو العقود القادمة مع استحالة هجرتهم لأوروبا أو عودتهم لبلدانهم الأصلية، فإن حدوث خلل في التركيبة السكانية داخل مصر قائم وحقيقي.
وأخيرا.. فإن الدول الغربية المتشدقة بالحرية والديموقراطية لا تتحرج في التعامل مع أنظمة دكتاتورية دموية حينما تظهر المصالح. وفي نفس الوقت، فإن عسكر مصر أثبتوا خلال العقود أن مصالحهم الشخصية فوق أي اعتبارات وطنية أو قومية. وسيظل الشعب المصري يرزح تحت حكم جائر مستبد حتى تكتمل صفوفه وتتوحد كلمته ويستكمل ثورته، ومن ثم يزيل كل الأعمال البغيضة المشوبة بالخيانة منذ انقلب العسكر على أول رئيس شرعي منتخب لحكم مصر.