نفذت مصلحة السجون المصرية التابعة لوزارة الداخلية حكم الإعدام في طالب كلية الهندسة “معتز مصطفى حسن”، فجر ٤ تموز/ يوليو ٢٠٢١م في سجن الاستئناف القابع خلف مبنى مديرية أمن القاهرة، بعد اتهامه بمحاولة قتل مدير أمن الإسكندرية.
يمثل الموت بالإعدام واحدةً من الطرق التي يستخدمها السيسي قائد الانقلاب العسكري لتصفية معارضيه، بجانب القتل بالأسلحة النارية في معارك وهمية، أو بالمباغتة في المساكن وغرف النوم، أو بالحرمان من الرعاية الصحية، أو بالمنع المتعمّد للعلاج بأنواعه الجراحي والدوائي.
وينقسم قتل المعارضين لانقلاب السيسي أساسا لقسميْن: الأول مقصود والثاني عفوي.. فالقتل المقصود هو ما يتم لمعارضين بعينهم ومعظمه بالأسلحة النارية، مثلما حدث في كل المذابح التي اقترفها السيسي ومجرموه، أو مع الشبان الخمسة المصريين الأبرياء الذين قتلتهم عصابة السيسي مع سبق الإصرار للتغطية على تعذيب وقتل باحث الدكتوراة الإيطالي “جوليو ريجيني”، ومحاولة إبعاد التهم عن زبانيته (وقيل عن نجله بل ربما عنه شخصيا) أو بالإعدام شنقا للمدنيين بعد محاكمات هزلية، أو رميا بالرصاص للعسكريين، أو بمنع العلاج والدواء الضروري عن المحبوسين، أو بدسّ السمّ بقدرٍ في الطعام، وغالبا هذا ما يكون قتلا بطيئا لإبعاد الشبهات.
أما القتل العفوي فهو ما لم يكن مرتّبا له مسبقا، مثل قتل معتقلي عربة الترحيلات، أو مواطن الأقصر عويس الراوي الذي نهض يردّ الإهانة عن والده عقب صفع ضابط شرطة له فصفع الضابط الذي عاجله بطلقة من المسافة صفر فأردته قتيلا على الفور.
وسواء كان قتل المعارضين مخططا له أو وليد لحظته، فإن الجهر بالمطالبة بقتلهم ودفع أفراد الجيش والشرطة والعصابات المسلحة الذين يطلق عليهم “بلطجية”؛ أعقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو، حينما خرجت حفنة ممن يسمون برجال الدين يطالبون أفراد الجيش والشرطة علنا بقتل المعارضين لحكم السيسي دون تردد، ويصفون لهم أين يكون موضع القتل في أجسام الرافضين للانقلاب.. مباشرة في قلوبهم. وأصبحت الدعوة للقتل على لسان كل عسكري ومدني وإعلامي، بل وسُمح للغوغاء باستعمال عبارات قتل المعارضين ومشتقاتها من غير أي مواربة أو تورية أو محاسبة.
ولقد بلغت حالات الموت بالإعدام شنقا التي حملت موافقة السيسي وحازت على توقيعه شخصيا، منذ قيامه بالانقلاب العسكري ضد رئيس البلاد المنتخب من قبل الشعب المصري وحتى ساعتنا هذه، 92 حالة اشتملت على مجموعة عددها 12 مصريا، بينهم رجل دين مسنّ عمره 82 عاما أجهز عليهم السيسي بالتزامن مع أذان فجر إحدى ليالي العشر الأخيرة من رمضان الفائت، على الرغم من تنبيه الجهات الحقوقية غير المسلمة وتذكيرها له بأن العرف جرى على تأجيل تنفيذ هذه العقوبات في شهر رمضان والأعياد والأشهر الحرم.
ويوجد في السجون الآن 83 مواطنا محكوم عليهم بالإعدام النهائي بعد استنفاذ كل فرص التقاضي وهم يمثلون ثلاث دفعات ثبّتت محكمة النقض عليهم أحكام الإعدام، والدفعة الأولى منهم اشتملت على علماء وبعض رموز ثورة يناير، مما حدا بالمجلس الثوري المصري والهيئات العاملة تحت مظلته (مجموعة مصريو برمنجهام ومصريون من أجل الديمقراطية في المملكة المتحدة ونساء ضد الانقلاب) مع هيئات معارضة أخرى للانقلاب بمظاهرات في كبريات مدن بريطانيا وتركيا وسويسرا وكندا والولايات المتحدة، وأمام مقر رئيس وزراء بريطانيا بمدينة لندن.
كما تم التواصل مع العديد من جمعيات حقوق الإنسان، وكذلك مراسلة العشرات من رؤساء دول العالم وعقد المؤتمرات الافتراضية شبه اليومية، بغرض الحث على ممارسة الضغوط على الكيان الانقلابي في مصر لوقف تنفيذ أحكام الإعدام في قادة ثورة يناير، وفي كل المحكوم عليهم بالإعدام جراء تهم ملفقة وإجراءات قانونية مهترئة واضحة العيوب والثغرات.
إلا أن تنفيذ حكم الإعدام في الطالب الجامعي “معتز مصطفى حسن”، وما عُلم عنه من تفوق واستقامة، لا يمثل فألا حسنا بأي حال، ولم يحدث أن قام السيسي منذ انقلابه على الرئيس الراحل لجمهورية مصر العربية الدكتور محمد مرسي؛ بالعفو أو تخفيف حكم الإعدام على أي واحد من المعارضين له، بل على عكس ذلك، أسقط تهما عن اثنين من المجرمين القتلة، واحد من رجال الأعمال والآخر زعيم لفئة “البلطجية” تستعين بهم وزارة الداخلية في مطاردة وقتل معارضي الانقلاب، وأطلق سراحهما.
منذ الانقلاب العسكري البغيض في تموز/ يوليو ٢٠١٣م، لم يفترْ عداء السيسي والممولين له لرموز الحركة الإسلامية ولا لقادة ثورة يناير، وكان قد أعلنها سابقا أن المعادلة صفرية بينه وبين رافضي انقلابه على أول تجربة ديمقراطية للحكم في مصر.
ومن خلال نشاطاتنا حديثا في الساحة الدولية والمرتبطة بدفع الدول الحرة إلى لجم السيسي ووقفه عن تنفيذ المزيد من الإعدامات لأفراد أبرياء من صميم شعب مصر، فالملاحظ أن تردّد الدول الحرة في اتخاذ خطوة كهذه عائد إلى التنازلات التي قدمها السيسي لتلك الدول مقابل الاعتراف بشرعيته، والتي تتركز أساسا في غاز شرق المتوسط والجُزر والنيل وأراضي سيناء ومنع الهجرة وبيع أراضي داخل المدن، وتفكيك مصانع بجانب صفقات تجارية وعسكرية هائلة.
وها نحن نعيد نداءاتنا لكل الأحرار في العالم أن يقدموا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان على الفوائد المادية المكتسبة من المعاملات التجارية، ونذكرهم بأن الشعب المصري جزء لا ينفصم عن مكونات المجتمع الدولي. ولطالما وقف مناضلا بجانب شعوب كثيرة يساندها ضد الظلم والبغي ويأخذ بيدها للاستقلال والتحرّر، وها هو يمر بمحنة عصيبة حينما يجتمع عليه المستبدون بدعم من قوى محلية وإقليمية ودولية. فالأولى النهوض لتعضيده، وتفضيل مبادئ الأخوة والإنسانية وحقوق الشعوب في الحرية والحياة الكريمة على منافع وقتية ومصالح زائلة.