كشفت رئيسة المجلس الثوري المصري، الدكتورة مها عزام، عن أن القوى الإقليمية والولايات المتحدة الأمريكية تحاول تأسيس قنوات اتصال بديلة وروابط؛ من أجل أن يكون لها تأثير وبديل جاهز في حالة وجود اضطراب سياسي “كبير”، أو في حال أن حليفها (السيسي) أصبح عبئا عليها ويهدد مصالحها.
وأضافت -في حوار لـ”عربي21″- أن البدائل التي يسعون (القوى الإقليمية وأمريكا) للوصول إليها، هي تلك التي سوف تستمر لخدمة مصالحهم، والتي تنتج نظاما لا يختلف جذريا عن ما يوجد الآن، مؤكدة أن “هذه البدائل المتشابهة ستستمر في إنتاج الاضطراب ذاته، وسوف يستمر رفضها من قبل الشعب المصري؛ لأنها ليست إلا وجوها مختلفة للمنظومة ذاتها”.
وحذرت “عزام” من ما وصفته بمحاولات استيعاب ثورة يناير وتبريدها والالتفاف عليها؛ من خلال إجراء “صفقة” مع الجيش، وضمان بقاء الدور الريادي لأصحاب المصالح الخاصة والدولة العميقة، باسم تحالف عسكري/ رجال أعمال/ ليبرالي/ إسلامي “معتدل”، مشدّدة على رفض المجلس الثوري لهذه الرؤية.
وأكدت أن المجلس الثوري حقق تقدما كبيرا في تحركاته بالخارج، وأنه سيستمر في الضغط على صناع القرار السياسي وحقوق الإنسان ودوائر المجتمع المدني الدولي، مضيفة:” انتصار ثورتنا سيكون على الأرض وداخل بلادنا، ولكن علينا أن نقطع أواصر دعم النظام الانقلابي في الخارج، وألا نترك المساحة السياسية والدبلوماسية له، لكشف وفضح انتهاكاته وممارساته”.
وإلى نص المقابلة كاملة:
– كيف تأثر المجلس الثوري بالاستقالات الأخيرة منه؟ وهل كانت لها علاقة بخلافات “الإخوان” الداخلية؟
الاستقالات لم يكن لها أي تأثير عملي علينا، بل على العكس استمر المجلس في المضي قدما في خدمة الثورة، خاصة أن رؤيتنا واضحة وجلية، ما أدى إلى ازدياد في العضوية بشكل ملحوظ، وفي واقع الأمر كثف المجلس عمله في الأشهر الماضية، خاصة على الساحة السياسية الدولية.
أما عن أسباب الاستقالات، فكانت نتيجة اختلاف في الرؤية بين البعض وبين موقف المجلس، ولم تكن لها أي علاقة بأي خلافات مزعومة داخل تنظيم الإخوان، وبالطبع يؤسفنا استقالة زملائنا الذين نقدرهم ونثمن أعمالهم ونتمنى لهم كل خير.
– أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة قال إن “الثورة الثالثة قادمة والعد التنازلي بدأ”.. هل تتفقون معه؟
الثورات تأتي في موجات، وإذا نظرنا إلى التاريخ نرى أن كل تغيير سياسي واجتماعي يحدث على مراحل. وثورة 25 يناير كانت علامة هامة في نضال شعبنا من أجل تحقيق حريته وحقوقه، وهي الخطوة التي ستؤدي إلى الموجة القادمة.
ونحن نتذكر أنه في القرنين الـ20 والـ21 في مصر -كما في أماكن أخرى في المنطقة- كان هناك دائما من يقف ضد الطغيان والدكتاتورية، ولكن ما نراه الآن هو رفض متزايد لأنظمة سياسية واقتصادية فاسدة فُرضت علينا، وهي تستغل وتقمع الأغلبية الساحقة.
وقد فشلت النظم السياسية والاقتصادية الحالية في مصر، وفي المنطقة، على نطاق أوسع، فلم تقدم لشعوبها ما تطلبه أو تحقق لشبابنا أحلامه وطموحاته، ونظام السيسي أصبح مفلسا سياسيا وأخلاقيا، وفي تداع متواصل؛ ولذلك علينا أن نحقق الإرادة السياسية لقيادة شعبنا، لنقول لهم إن بإمكانهم إسقاط هذه الأنظمة، وبعد ذلك يمكننا تشكيل مستقبلنا.
لقد وصل فشل النظام الحالي إلى أزمة اقتصادية ضخمة، وأزمة في العملة، وأزمة الانفلات الأمني التي أسفرت عن مقتل السياح. والنظام الانقلابي بفشله يخاطر في إمكانية توفير القمح والمياه، ويأخذ مصر نحو الدولة الفاشلة.
ونحن نريد محاربة الفساد وإزالة المصالح الخاصة، سواء العسكرية وغيرها، من السيطرة على الاقتصاد، ونريد لمصر التطور والنمو، حتى تكون دولة رائدة في المنطقة، خاصة أن هذا النظام الانقلابي يفرط في موارد الدولة للآخرين من غاز أو مياه، فقد باع ثروات الشعب على كل المستويات.
– كيف ترون خطابات السيسي الأخيرة التي وصفها البعض بأنها تحمل دلالات خطيرة؟
إن تصرفات قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي تعكس يوميا موقفه كديكتاتور محاصر ومعزول؛ بسبب فشله، كونه يتشدق في خطابه بأنه يجب على الشعب أن يستمع له فقط، وهذا دليل على يأسه وعدم ثقته فيمن حوله، والمشكلة الدائمة مع الطغاة اليائسون الفاشلون أنه من المرجح أنهم يتصرفون بطرق متخبطة، أو أن يتخذوا أساليب متطرفة، وغالبا ما تصبح هذه الوسائل أكثر قمعا، على أمل أن يتمكنوا من البقاء في السلطة.
– وهل يمكن أن تتخلى المؤسسة العسكرية عن السيسي؟
من الممكن أن يتخلى عنه المجلس العسكري وداعموه في مصر، على أمل أن يتمكنوا من إنقاذ أنفسهم والنظام الذي يمثلونه. ومن هنا علينا ألّا نمد لهؤلاء حبل نجاة. فينبغي علينا الإعداد والتشجيع على إسقاط هذا النظام، وألا نعمل على استبدال السيسي بوجه آخر من النظام ذاته لا يحدث إلا تغييرات شكلية، وبالتالي نؤخر سعي شعبنا لاسترداد حريته وحقوقه والسير في طريق التنمية.
– حذرتم سابقا من ما وصفتموه بمحاولات استيعاب ثورة يناير وتبريدها والالتفاف عليها.. فما هي طبيعة تلك المحاولات؟
عندما نتحدث عن ثورة 25 يناير، يجب علينا أيضا أن نتحدث عن مكتسباتها، ممثلة بكل وضوح في 5 استحقاقات انتخابية تمثل خيارات الشعب، منها الإرادة الشعبية في اختيار الرئيس مرسي، من خلال انتخابات حرة ونزيهة لأول مرة في مصر.
لكن هناك من يتحدّث عن العودة إلى 25 يناير أو 11 فبراير 2011، بغض النظر عن “مكتسبات “الثورة”.
علينا أن نكون حذرين من تلك الرؤية، وأنه على الرغم من أن البعض يعلن أن الدكتور مرسي هو الرئيس الشرعي كجزء من الخطاب السياسي، إلا أن تحركاتهم السياسية قد تجر الثورة، عن قصد أو عن غير قصد، في مسار من شأنه أن يُعيدنا إلى عام 2005 في أحسن نتيجة له، ورسم الطريق لنظام سياسي يحافظ على الكثير من الدولة العميقة والمصالح الخاصة، وبالتالي إبقاء الفساد المتأصل في الدولة المصرية.
أما عن علامات مثل هذه المساومة، فعلى الأغلب ستضمن إجراء “صفقة” مع الجيش، وضمان بقاء الدور الريادي للمصالح الخاصة والدولة العميقة. ومثل هذا البديل يوهم أن هناك درجة من التغيير، لكنه يضمن أن هناك رؤية واحدة فقط لمستقبل مصر، التي ستستمر في استغلال الشعب، والتنازل عن استقلال البلاد.
وهذا سيضمن قيادة مصر لقلة تسعى فقط لتحقيق مصالح النخب، وليس الأغلبية، وسيتم إبعاد وحرمان الأغلبية من حق اتخاذ القرارات باسم تحالف عسكري/ رجال أعمال/ ليبرالي/ إسلامي معتدل، وهذه ليست مصر التي ضحى ومات شعبنا وشبابنا من أجلها، وهذه ليست الرؤية التي يسعى إليها المجلس الثوري.
ونحن بحاجة إلى تذكير الجميع بأن نضال الشعب المصري من أجل الحرية والتمكين مفتوح للتدخل والسيطرة من قبل قوى خارجية، وحتى المساعي خالصة النية في صف الثورة منفتحة للتلاعب من قبل قوى مناهضة للثورة.
– من هي الأطراف التي تقف وراء مثل هذا البديل وهذه التحركات؟
من الطبيعي أن القوى الإقليمية والولايات المتحدة تحاول تأسيس قنوات اتصال بديلة وروابط من أجل أن يكون لها تأثير وبديل جاهز في وجود حالة اضطراب سياسي كبير، أو في حالة أن حليفها (السيسي) أصبح عبئا عليها ويهدد مصالحها.
من هنا نرى أن البدائل التي يسعون للوصول إليها، هي تلك التي سوف تستمر لخدمة مصالحهم، والتي تنتج نظاما لا يختلف جذريا عن ما يوجد الآن، فهذه البدائل المتشابه ستستمر في إنتاج الاضطراب ذاته، وسوف يستمر رفضها من قبل الشعب المصري؛ لأنها ليست إلا وجوه مختلفة للمنظومة ذاتها.
– لماذا دائما تهاجمون جهود الاصطفاف الثوري وتتمسكون بمكتسبات ثورة يناير أو ما يعرف بـ”الشرعية” أكثر من تمسككم بالثورة ذاتها؟
أؤكد أننا لا نهاجم جهود الاصطفاف، لكننا نقول وبوضوح أن الاصطفاف يجب ألا ينطوي على أي تقويض أو تهميش للمبادئ الأساسية أو العودة إلى ثورة 25 يناير دون العودة إلى مكتسباتها، فنحن نريد اصطفافا حقيقيا ووحدة وطنية، من أجل احترام الإرادة الشعبية وتحقيق أهداف الثورة.
وإذا لم تكن لدينا فكرة واضحة عن أين نحن ذاهبون بعد الإطاحة بالسيسي، سنجد أنفسنا، حتى مع أفضل الأحوال، نكرر الأخطاء ذاتها، كما كانت في فترة ما بعد مبارك، وينتهي المطاف بالتوصل إلى تسوية سياسية بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة: تسوية موجهه من قبل الخارج، ولكن هذه المرة مع “قشرة” توهم أنها تحظى بقبول من جبهة عريضة في الداخل.
وأي تسوية مع الدولة العميقة ستنطوي على تسوية مع الجيش والشرطة، ومن ثم المساومة على العدالة لحقوق الشهداء، والجرحى، والمعتقلين، والمعذبين، وهذا ما لن نقبله.
أما بالنسبة لـ30 يونيو، فالأغلبية ممن شاركوا فيها كانوا معارضين للثورة، لكن أيضا كان من بينهم قلة ممن دعم الثورة وعارض الرئيس مرسي. وبيد أننا ندعم بالطبع الحق في حرية التعبير والحق في التظاهر، إلا أن مظاهرات 30 يونيو بالذات استخدمت خصيصا لتبرير الانقلاب، ونحن لا نريد إتاحة الفرصة لنسخة أخرى من 30 يونيو، التي من شأنها أن تضع نفسها على أنها البديل، وتبقي منظومة الدولة العميقة والدولة الفاسدة على ما هي.
– هناك أنباء عن إعداد القوى الثورية لمشروع متكامل لمرحلة ما بعد “السيسي”.. فهل أنتم مشاركون في هذا التصور؟
لقد وضع المجلس الثوري رؤيته الخاصة في وثيقة حماية الثورة، والمشاريع أو المبادرات لا يمكن أن تأتي من الخارج أو أن تخالف إرادة الأغلبية، كما تجلت في 5 استحقاقات انتخابية، ولا يحق لأي نخبة أن تفرض رؤيتها على الشعب، حتى إن شملت بعض الأفراد أو القوى من داخل مصر. والخطورة هي من النظام السياسي الذي سيكون نتيجة في نهاية المطاف لهذه المشاريع والمبادرات، حيث سيتم فرضه على الشعب المصري رغما عن إرادته.
– ما هي الخطوات التي يعتزم المجلس الثوري اتخاذها مستقبلا؟
المجلس وبعون الله سوف يعمل على أربعة مجالات رئيسية من أجل دعم الأبطال في الداخل، حتى يتم إسقاط النظام العسكري الفاشي:
– سيستمر في التواصل مع كل الذين يشاركونه في الرؤية لعودة الشرعية، ولمصر المستقبل متحررة من الدولة العميقة، وكدولة تعطي كل مواطن حصته في مستقبل البلاد.
– سيواصل العمل كالجبهة الثورية التي لن تسمح لمساومات أن تتم باسم الشعب أو أي نخبة أو أي مجموعة، ففي الوقت الذي يسعى فيه للوحدة والتعاون بين القوى الثورية، إلا أنه لن يقبل بأي تنازلات تقدم باسم الثورة.
– سيقوم بزيادة مستوى الحراك السياسي والضغط الدولي مع واضعي السياسات ومتخذي القرار والمجتمع المدني والجمهور من أجل تقويض الدعم للنظام العسكري المصري، وزيادة الدعم للقضية المصرية، وإقامة تحالفات مناهضة للانقلاب. وسيتم ذلك من خلال القنوات السياسية وحقوق الإنسان والمؤسسات القانونية والإعلامية.
– سيستمر في أن يكون صدى للثورة، وفي كشف المظالم التي تحدث داخل مصر، كما سيستمر في تشجيع الثوار من خلال استخدام كل الوسائل الممكنة لتحويل مقاومتهم إلى تعبئة ونصر.
– كيف تقرأون تعاطي الدول الإقليمية والغربية مع الأزمة المصرية حاليا؟ وهل هناك ثمة تغيرات أم لا؟
بينما يستمر النظام العسكري في الحصول على دعم إقليمي ودولي في الوقت الحالي، هنالك أيضا قلق متزايد حول كفاءة النظام. وفي الوقت ذاته أصبح الدعم المالي عبئا كبيرا على دول الخليج في ظل البيئة الاقتصادية الحالية.
أما من الناحية الدولية، أضحت فكرة أن السيسي قادر على توفير الأمن في سياق مكافحة “داعش”، محل استفهام وتساؤل في كثير من الأوساط، بينما يستمر المجلس في إعلام الغرب أن الاستقرار والأمن لن يتحسن بل سيسوء تحت هذه الأنظمة.
– “عربي21” نقلت عن مصدر مطلع استقبال دولة أوروبية كبرى لكم ضمن حوالي 20 زيارة خارجية قام بها المجلس الثوري مؤخرا.. فما هي نتائج تلك الزيارات؟
المجلس الثوري يصر على أن يسمع العالم كله صوت الشعب المصري الذي لن يقبل بأقل من عودة ديمقراطيتهم، وبالتالي سنستمر في الضغط على صناع القرار السياسي وحقوق الإنسان ودوائر المجتمع المدني الدولي، وقد حققنا في ذلك تقدما كبيرا، وانتصار ثورتنا سيكون على الأرض وداخل بلادنا، ولكن علينا أن نقطع أواصر دعم النظام الانقلابي في الخارج، وألا نترك المساحة السياسية والدبلوماسية له، لكشف وفضح انتهاكاته وممارساته.
– دائما ما تروجون لفكرة أن النصر قريب، رغم أن الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تماما؟
بل بالعكس عن ما يلمحه السؤال، إذا ما نظرت بدقة ترى أن الواقع على الأرض يظهر أنه على الرغم من تجاوزات النظام لأكثر من عامين ونصف، فإن قاعدة أنصاره تتضاءل يوما بعد الآخر، بينما الأبطال المناهضون للانقلاب لم يصبهم اليأس ويزداد عددهم، خاصة أن هذا النظام أصبح عبئا ثقيلا حتى بالنسبة لأصحاب المصالح الذين دعموه داخل مصر وخارجها. ونحن لا نختلف عن شعوب الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم: إذا ما أردنا تحقيق حريتنا وحقوقنا، علينا أن نصبر ونعد ونناضل.