في ظل الحديث من البعض في الفترة الأخيرة عن إمكانية سقوط حكم السيسي، سمعنا الكثير من الاجتهادات حول هيكلة النظام الذي سيستبدله،
وبيد أن هذه الاجتهادات سردت عموميات عن إقامة “دولة مدنية” وليست عسكرية أو “نظام ديمقراطي”، هناك حاجة لتحديد المبادئ الأساسية التي ستكوّن أساس النظام الديمقراطي الذي سيقام بعد سقوط الانقلاب، بشكل يماثل ما تطرقت له أهم التشريعات التي أسست أعرق النظم الممارسة للديمقراطية في العالم،
في حين ركزت بعض هذه الدعوات بشكل وافر على آلية الفترة الانتقالية و “ملفات” الحكومة القادمة، والتي ستنتج حتما -في ظل غياب مباديء واضحة للعقد الاجتماعي لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في مصر- نظام إقصائي للشعب لا يحقق ما يرنو إليه ويستحقه الشعب المصري، بل بالعكس هو تأكيد لهيكلة تفرض رؤية أقلية، على أغلبية الشعب دون تمثيل لحقوقه الأصيلة في حكم نفسه أو تحديد هويته.
ومن هذا المنطلق نرى أن الخطوة الأولى لبناء أي نظام مدني ديمقراطي هو أن يتم الاتفاق على والإقرار بالمبادئ الأساسية لهيكلة الدولة الديمقراطية التي ثار من أجلها الشعب والذي يعطيه حقه الطبيعي في إمساكه بزمام السلطة.
ولأن مصر لها أحوالها الخاصة؛ لا سيما تجذر نخبة تمثل الأقلية في السلطة لأكثر من ٦ عقود وتدهور الحالة الاقتصادية لمصر كدولة وشعب فإن هذه المبادىء العامة عليها أن تستوفي أيضا شروط تحمي الشعب من استعادة أي من النخب للسلطة ولرفع الشعب المصري الكادح من مستنقع الفقر وحمايته من إمكانية الكارثة الاقتصادية الناتجة عن الفشل الإداري للاقتصاد طوال حكم العسكر وأعوانهم الذي كاد أن يطيح بالأمن الغذائي والمائي للشعب المصري إلى هاوية الانهيار الكامل
من هنا علينا تبني هذه المبادئ الأساسية المستمدة من أفضل ما أقرته التجارب الديمقراطية في البلدان المتقدمة مع إضافة خطوات خاصة بالحالة المصرية والمستمدة من المبادئ العامة وأن يتم الاتفاق عليها والالتزام بتنفيذها كخطوة أولى لاستغلال أي فرصة تأتي نتيجة إزالة حكم السيسي لإقامة دولة العدالة والحريات وأن هذه المبادئ والخطوات تكون ركن الأساس لأي قرارات تقنية بشأن كيفية إدارة الفترة الانتقالية القصيرة التي تلي سقوط الانقلاب أو إقرار أي هيكلة لنظام حكم يمثل سيادة الشعب.
تتمثل المبادىء الأساسية لتأسيس دولة مصر المستقبل في الآتي
1. رفض الانقلابات العسكرية وتجريمها والإقرار بأن ما حدث في ٣ يوليو هو انقلاب عسكري متكامل الأركان على الرئيس الشرعي والحكومة الشرعية التي استمدت شرعيتها من سيادة الشعب، متمثلة في أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ مصر الحديث في ٢٠١٢، وعلى ذلك، فإن الانقلاب العسكري يمثل جريمة ضد الشعب المصري بجميع فئاته واختلاف عقائده لأنه تعدى على سيادة الشعب المصري.
2. أنه لا يمكن حماية حريات وحقوق جميع المواطنين المصريين إلا في ظل نظام ديمقراطي، قائم على أساس تداول السلطة بشكل دوري عبر آلية تعطي كل مواطن بالغ حق التصويت في انتخابات نزيه حرة خالية من أي تدخل سياسي أو خارجي ، وينتج عنها سلطة تنفيذية منتخبة تخضع للإشراف والمحاسبة من قبل هيئة تشريعية منتخبة، يستمر كلاهما لمدة أربع سنوات كحد أقصى يفرض بعدها انتخابات جديدة (مع تحديد حق اي منتخب في منصب الرئاسة ان لا تزيد مدة سلطته عن دورتان انتخابية أي ٨ سنوات) وكلاهما تشرف عليهما هيئة قضائية غير مسيسة وشفافة (تستبعد جميع القضاة المدنيين المتهمين بالتعاون مع النظام العسكري).
هذه الهيئة القانونية دورها الأساسي يتمثل أولًا في مراقبة السلطتين التنفيذية والتشريعية لتأكيد امتثالهما بالقانون وإخضاعهما له، وثانيا حماية حقوق المواطنين وحرياتهم من أي محاولات من أي جهة تشريعية أو تنفيذية من التعدي عليها.
3. كمًا ويتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والمهجرين إجباريا على الفور مع إعادة جميع ممتلكاتهم وبتعويض عادل تدفعه الدولة بدلًا عن سنوات احتجازهم غير القانونية ، كما تعتبر جميع التهم ضدهم في جميع السجلات الجنائية كأن لم تكن . كما و تطبق العدالة الطبيعية على جميع الأفراد العسكريين ورجال الأمن الذين ارتكبوا جرائم ضد السجناء وضد الشعب المصري منذ عام 2013 ، تحديداً القتل والتعذيب والاغتصاب.
4. أن الصحافة الحرة ، وحرية تكوين الجمعيات ، والتظاهر ، وحرية التعبير ، وحرية تشكيل النقابات العمالية المستقلة ، وحرية تشكيل الأحزاب السياسية مهما كان نهجها أو توجهها السياسي ، هي شروط مسبقة لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي ، يضمنها ويحصنها القانون من التراجع تحت أي ظرف من الظروف حتى في ما يسمى حالات الطوارئ الوطنية.
5. إن الهدف من إزالة هذا النظام الانقلابي الاستبدادي هو استبداله مباشرة بحكومة مدنية مستمدة من الشعب، ينتخبها الشعب، وتعمل لخدمة الشعب، دون شروط مسبقة على تكوينها، ولأن مصر حكمتها نخب عسكرية وسياسية اقصت الشعب لأكثر من ستة عقود؛ فإن هذه الحكومة يتم بناؤها بحيث تحول بوضوح دون سيطرة النخبة التي كانت تسيطر سابقاٌ على الدولة سواء المؤسسة العسكرية، أو الدولة العميقة ونخبها (المقربة) من رجال الأعمال أو السياسيين.
6. لذلك ومن أجل ضمان اقصاء هذه النخب الفاسدة من محاولة استعادة السيطرة على السلطة ومن أجل تسليم السلطة للشعب صاحب الحق الأصيل فيها فإن أي فترة انتقالية من بعد انهيار السلطة الانقلابية إلى حكومة شعبية ممثلة في مثل هذه الحكومة المنتخبة لن تستمر تحت أي ظرف من الظروف لأكثر من ستة أشهر للتحضير للانتخابات ، بينما يتم فور خلع السلطة الانقلابية إقرار جميع الحريات المحددة في البندين 4 و 5 أعلاه وحصانتها من أي تدخل أو تحجيم.
7. الإقرار أنه في ظل ناتج محلي إجمالي يبلغ ٢٣٥ مليار دولار، ووجود 100 مليون نسمة (في تزايد)، منهم 60 مليون تحت خط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولار في اليوم ، والفقر المائي البالغ أقل من 480 متر مكعب للفرد الواحد، وتدهور الوضع الزراعي والمائي ، فإن مصر تواجه تحديات مصيرية في العقود الثلاثة أو الأربعة القادمة تتطلب إجراءات فورية وآنية لحماية أمنها القومي وسلامتها المستقبلية سواء الاقتصادية او المائية او الغذائية كدولة تمارس استقلالها المصيري.
8. كذلك الإقرار بأن أحد العوائق الرئيسية في مواجهة التحديات أعلاه هو الفساد المستشري في مصر والذي يتكشف في ظاهرتين:
– أولهاً، واهمها الفساد الهيكلي الناجم عن قيام الجيش بدور الاقطاعية الاقتصادية التي تسيطر على نسبة كبيرة (بل ربما الأغلبية) من الاقتصاد المصري وتستحوذ على مخصصات وموارد الدولة وتستغل التجنيد الاجباري كعمالة مجانية، يؤدي لتدمير الاقتصاد واحتكار أي فوائد لأي نمو اقتصادي لنخبة صغيرة، وتوقف من تضاعف تأثيرها وانعكاسه على الاقتصاد الأوسع.
– ثانياً ، الفساد التاريخي الطويل الأمد من الرشوة ، وغياب حكم القانون والمحسوبية التي كانت أداة للحفاظ على النظام على حساب الفقراء.
9. بناء على ذلك، فإن الإجراء الثاني بعد إزالة النظام وأثناء الفترة الانتقالية هو التفكيك التام للمصالح الاقتصادية العسكرية ووضعها في صندوق مملوك لجميع المواطنين على السواء، تشرف عليه هيئة مهنية منتخبة تقدم تقاريرها إلى السلطة التشريعية التي تشرف عليها . كما ويتم تفكيك أسس الفساد “المتجذر” بفرض ضرائب على كل الثروة وتحصيل جميع الضرائب المتأخرة المستحقة على المصالح التجارية الكبيرة للنخب الاقتصادية غير العسكرية التي طالما تجنبت دفع مستحقاتها للدولة على الفور بالفوائد من قبل الحكومة المنتخبة. كما وتخضع جميع المعاملات الاقتصادية سواء الحكومية أو القطاع الخاص لسيادة القانون.
10. الإقرار بان إقامة دولة تعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ركن أساسي لتكوين دولة مصر المستقبل. لذلك ونظرًا للحالة الاقتصادية المزرية للمواطنين المصريين العاديين ، فإن إيرادات الضرائب التي يتم جمعها في بند ٩ تستخدم لتأمين حق جميع المواطنين المصريين في توفير التعليم والصحة والمستشفيات كحق أصيل لكل مواطن يحتاجها وكذلك حد أدنى من السكن الاجتماعي لمن يحتاجه كما ويتم توفير وسائل النقل المدعومة.
إضافة إلى ذلك؛ ومن اجل رفع مستوى المعيشة لأغلبية الشعب في أسرع وقت ممكن إلى ما هو اعلى من حد الفقر العالمي يتم إقرار حد ادنى للأجور من 4 دولارات / يوم على الفور.
11. ومن أجل توفير دخل حكومي يسمح للحكومة أن تقوم بواجبها الاجتماعي تجاه كل المواطنين يتم إنشاء نظام ضريبي متدرج وتطبيقه على جميع المواطنين دون أي ثغرات للحفاظ على العقد الاجتماعي الموضح أعلاه
12. أن تعتزل القوات المسلحة من الآن فصاعداً من كل ما يخص السياسة والأقتصاد وتركز على مهماتها الدفاعية تحت اشراف السلطة التشريعية ، بما في ذلك تحديد وتوجيه إنفاق ميزانيتها، وتركز الشرطة على حماية وخدمة المواطنين. كما ويتم عزل كبار ضباط الأركان الذين شاركوا في الانقلاب من وظائفهم.
13. الإقرار بان المؤسسات العسكرية والأمن خاضعة لقانون البلاد الذي يحمي حق المواطن في الأمن الشخصي والخضوع لآلية قضائية عادلة خالية من الفساد والاستبداد والتعذيب وتطبيق سيادة القانون على الشرطة والأمن والمواطن بالسواء ويكون توجيهها وإدارتها من قبل السلطة التنفيذية تحت إشرافه الهيئة التشريعية وبحماية الهيئة القانونية المستقلة.
14. أن يتم إصلاح جهاز الأمن الداخلي على الفور وإعادة تكوينه كهيئة تركز على حماية المواطنين من التهديدات الأمنية الخارجية وليس كجهاز موجه ضد المواطنين.
15. أن يحدد القانون الساري على جميع أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية أن السياسة الخارجية لمصر بينما تهدف إلى تعاون إقليمي ودولي أوسع ، إلا أنه بموجب القانون سيتم حظر أي ثأثير اجنبي عليها أو على أي عامل في أي هيئة تنفيذية أو جهاز حكومي.
16. أن يتم إعادة تقييم كل القرارات والاتفاقيات التي اتخذها النظام الانقلابي بما أن الانقلاب وما نتج عنه باطل قانونيا وهو والعدم سواء
لقد تخلفت مصر عن مسيرة تقدم الأمم الأخرى في العالم مما أدى الى معاناة وإفقار وقهر شعبها ومعاناة شعوب المنطقة نتيجة ضعف مصر . لذلك ومن أجل تحقيق نهضة حقيقة لمصر وللمنطقة لا سبيل لنا إلا إذا قمنا بانقلاب جماهيري مضاد على الانقلاب على النظام الشرعي للبلاد الذي أنتخبه الشعب عام ٢٠١٢ ومن ثم نبدأ العمل الجاد في إزالة الفساد في بلدنا وبناء دولة مدنية غير عسكرية تمثل إرادة الشعب المصري وتعكس هويته وتحترم سيادة القانون ولا تنتهك حقوقه.
* كاتبة المقال رئيسة المجلس الثوري المصري
3 Comments
جميل لا يتقصه سوى آليات واقعية تضمن سرعة التنفيذ حتى لا ننظر من أبراج عاجية والناس يرزحون تحت القهر والفقر
ثم إضافة بند ينص على إسقاط جميع الديون الداخلية والخارجية التي قدمت لدعم النظام الانقلابي
يارب يحصل المرة دي ..
أو اللي زيي ينتحرو و خلاص
ياريت فعلاً .. عندي مشروع طرحته في لقائي على إذاعة بي بي سي عربي ولم يلقى أي اهتمام من النظام الحالي
عاوز أفيد مصر اقتصادياً و ارتقي بيها ثقافياً و غير في مفاهيم الشباب المصري و أغير مفهوم الشباب في الخارج عننا
و أجذب السياحة أقوى من الأول و نكون متحكمين في التوجيه الفكري من خلال قوى ناعمة
بدون جنيه واحد من خزينة الدولة ..
هل النظام القادم بعد نجاحنا المرة دي إن شاء الله
هلاقي حد فيهم يسمعني ؟!