قصة بدأت فصولها منذ ستة قرون أو يزيد عندما قرر السلطان سليم الأول ضم مصر إلى الدولة العثمانية، وأصبحت مصر ولاية عثمانية ضمن امبراطورية فتية تحمي الحضارة الإسلامية التي عانت لعدة قرون من الغزو المغولي والحملات الصليبية، واستطاع نظام الحكم العثماني الصمود لقرون أمام الصراع الحضاري الكبير أمام النموذج الأوروبي، وكانت مصر مركزا حضاريا وثقافيا كغيرها من البلدان التي تحت الحكم العثماني.
لسنا بصدد مقارنة نظم الحكم القديمة مع النماذج الحديثة، ولكن بالتأكيد حدث تغيير درامي مع سيطرة محمد علي على حكم مصر والذي أعتبره – من وجهة نظري على الأقل – أحد المراكز الاستراتيجية التي عملت على تفتيت المنطقة وإضعافها لصالح النموذج الجديد القادم من أوروبا، سواء كان يعلم ذلك أم لا؛ فإن ما حدث وما زلنا نعاني من تبعاته حتى الآن هو نتيجة مباشرة لما قام به محمد علي ومن تبعه.
لقد أصبح النظام المصري منذ قرنين أو يزيد ومركز هذا النظام هو ما يسمى الجيش المصري المقدمة الرئيسية لمنع أي محاولات تحرر أو إعادة بناء تتوافق مع الموروث الفكري والحضاري للمجتمعات العربية والإسلامية، فقد قام النظام المصري في القرن التاسع عشر بالحرب في جزيرة العرب وفي ليبيا والسودان والشام وتركيا، ولم ينتج عن هذه الحروب نظاما جديدا يتوافق مع الهوية الحضارية للمنطقة بل كان هدفه ربما الوحيد هو التفتيت لتمهيد المنطقة لشيء ما.
الجيش المصري بؤرة توتر دائمة ولم يعد فقط خطرا على مصر ولكنه خطر على كل المنطقة، وعلى شعب مصر الآن التحرك بكل الطرق المتاحة لإنقاذ مصر وحماية ما تبقى من النقاط الفاعلة بالأمة
ولم يكن دور ما يسمى الجيش المصري خارجيا فقط ولكن كان على مستوى القطر المصري مانعا حاسما أمام كل محاولات التحرر، وربما ما فعله في ثورة 1919 وما بعدها حتى تدخله في الخمسينيات لا تحتاج للتفسير ويمكن الرجوع لكتاب الرافعي عن ثورة 19 لمعرفة ماذا فعل “الجيش” بالشعب عندما اندلعت الثورة.
عودة إلى تركيا التي عانت من الجيش المصري وعمله الدائم مع القوى الغربية ضد أي مشروع يحاول التمسك بالموروث التاريخي والحضاري والديني للأمة، والآن يبدو أننا على أعتاب موجة جديدة من الصراع الذي يتجدد كل مئة عام تقريبا والتي يمارسها ما يسمى الجيش المصري لحصار أي احتمال للتحرر.
ما حدث في 2013 كان أحد تلك الهجمات الشرسة لوأد أكبر قوى بشرية يمكنها قيادة قاطرة المستقبل، ولا أتحدث فقط عن جماعات أو تنظيمات ولكن الحديث عن الشعب المصري ذو المئة مليون والذي يمكنه مع قيادة منتمية للشعب أن يكون قوة هائلة تستطيع مع القوى الإقليمية الأخرى أن تغير من موازين القوى في المنطقة ولا أكون مبالغا إن قلت العالم.
إن أهمية تلك المعلومات أنها تخرج الصراع مع الجيش المصري من الدائرة الصغيرة المتعلقة بالانقلاب العسكري في مصر، إن الانقلاب هو أحد مظاهر الصورة الأكبر والأوضح عبر التاريخ، والإصرار على الوقوف عند نقطة انقلاب 2013 أصبح غير مقبول بل يدعو للشك حول أهداف الواقفين عنده.
ما أصبح مؤكدا – على الأقل بالنسبة لي-أن هذه المؤسسة مبنية هيكليا على معاداة كل فكر تحرري للمنطقة وأنها مركز متقدم لقوات الاحتلال ليس فقط لمصر ولكن لكل المنطقة، ولن أتفاجأ إن دخلت مصر في صراع عسكري مع تركيا لأي سبب، وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا فإن ما يسمى الجيش المصري سيكون واجهة الصراع وسيكون شعب مصر البائس وقود معركة لهذه الكارثة، فما يسمى الجيش المصري غير قادر على الحرب بشكل فني ولكنه قادر على التدمير وهناك فارق بين الاثنين، فالحرب مهما كانت لها آثار كارثية فهي لها هدف سياسي في النهاية أما التدمير فما أسهله على مرتزقة لا يألون بالا بشعوبهم ويستمتعون بالخيانة المعلنة، وربما الزيادة الهائلة في التسليح الفترة السابقة لها مؤشرات خطيرة حول هذا الأمر.
لقد كان الجيش المصري بؤرة توتر دائمة ولم يعد فقط خطرا على مصر ولكنه خطر كبير على كل المنطقة، وعلى شعب مصر الآن التحرك بكل الطرق المتاحة ليس فقط لإنقاذ مصر ولكن لحماية ما تبقى من النقاط الفاعلة في الأمة من السرطان الذي ينهش في المنطقة والذي نسميه اصطلاحا الجيش المصري.
1 Comment
السلام عليكم اخي الفاضل المحترم د / عمرو
ادعو الله تعالي ان تكون في خير حال.
وبارك الله في قلمك وجهادك لاظهار الحق و توعية من طمست اعينهم عن رؤية الحق وتحقيق العدل.
يقول الشاعر العبقري احمد شوقي في بيت شعر من اجمل ما قرأت له.:
(العدل يرفع للمالك حائطا”
لا الجيش يرفعه ولا الاسطول)
سيدي الفاضل انت بالتأكيد تعلم مغزي البيت وهو يحمل الكثير من المعاني والافكار التي انا مؤمن بها .
سيدي الفاضل قد تعجب ان كاتب هذا التعليق هو عميد سابق بالقوات المسلحه لوقت ليس بالبعيد رفض الانقلاب والغدر والخيانه في وقتها عندما حدثت وكانت نذير شؤم علي كل البلاد والعباد.
حتي انتهي المطاف بي الي ملاحقه امنيه ثم خروج من القوات المسلحه ..وهنا اود أن اؤكد واصحح مفهوم لدي الشرفاء انخ ليس كل افراد القوات المسلحه من القاده والضباط ليسوا كلهم منقلبين ولا خائنين ولا طالبي سلطه ودنيا كهذا الجاهل المنقلب الخائن السيسي ومن حوله من قادة الافرع الرئيسيه عديم الشرف والمرؤه والمتثاقلين الي الارض بجهلهم.
بل احب ان اطمئن الشرفاء من خلالك ومن خلال هذه الصفحه الغراء للمجلس الثوري انه ما زال يوجد المئات بل واللاف من القاده والضباط المخلصين والرافضين للانقلاب المشؤوم بواسطه حفنه شريره خائنه تبغي السلطه والشهره .
سيدي الفاضل اعلم انه يتبادر الي ذهنك وذهن اخرين هذا السؤال
لماذا لم يتحرك هؤلاء المخلصين للتخلص من السيسي ونظامه البغيض ؟؟؟؟؟
والإجابة قد تطول ولكنني اود ان اسردها في تعليق ومقال اخر لو سمحت لي او سمحت لي ادارة الصفحه.
وفي نهاية هذا الجزء من التعليق لك مني كل تحيه وتوفيق وحفظ من اعماق قلبي.
وانا بالمناسبه من متابعي مقالاتك واحاديثك قدر استطاعتي.واقدر لك فكرك وتحليلك للاحداث …بارك الله فيك وفي قلمك….
شكرا لك….
توقيع/ضباط ضد الانقلاب والخيانه.