عمرو قنديل |جمهورية مصر العسكرية

artworks-000044340968-n8w79x-t500x500
أنا مصري -تقريباً- وأبويا مصري
أبريل 30, 2017
Screen Shot 2017-04-30 at 3.22.39 PM
مؤتمر اعلان بدء عمل مجموعة أطباء من أجل الحرية
أبريل 30, 2017

عمرو قنديل |جمهورية مصر العسكرية

IU_UE_OUY_EO_IEO_IOI-triangle

خلال الأعوام القليلة الماضية، أجريت مقابلات مع عدد من سكان سيناء المحليين الذين قالوا إن الرجال المكلفين بحمايتهم هم في الحقيقة يقتلونهم. وحتى الأسبوع الماضي، الدليل المُصوَّر الوحيد على ما يقولون كان لقطات لمجندين مصريين يعتدون على سكان سيناء بالضرب والإهانات اللفظية.

كل هذا تغيَّر في التاسع عشر من أبريل/ نيسان الجاري، عندما أذاعت قناة فضائية تدعى “مكملين” – محسوبة على الإخوان المسلمين ومقرها تركيا- فيديو كفيل بتجميد الدماء في العروق، أظهر الفيديو رجالاً يرتدون الزي العسكري، وهم يقومون بإعدام عدد من المصريين العُزّل بدم بارد.
في الأيام التالية على إذاعته، طرحت صحف وتقارير حقوقية احتمالية أن يكون هؤلاء الرجال الذين ظهرت جثثهم بعدما تلقوا الرصاص في رؤوسهم وصدورهم، هم أنفسهم من نشر المتحدث العسكري صور جثثهم في فيديو ظهر في ديسمبر/ كانون أول. المسؤولون المصريون ادعوا وقتها أنها صور لجثث “إرهابيين”، قُتلوا خلال إحدى عمليات مكافحة الإرهاب في شمال سيناء.

الفظائع المرعبة التي قد تصل إلى حد جرائم الحرب التي أظهرها هذا الفيديو، هي مجرد جزء من الجرائم العديدة التي ترتكب في حق المصريين والتي ظهرت للعيان.

لكن في السر، فالجيش الذي يحمل واجبًا أوليًا بحماية مصر، متهم الآن في أعين الكثيرين بأنه لا يكترث سوى بالتربح وابتلاع مليارات الدولارات من خلال سيطرته على إمبراطورية اقتصادية لا يعرف أحد مداها.

العديد من قيادات هذا الجيش تحيا حياة باذخة، يحلبون اقتصاد البلد، بينما يتساقط المصريون بالملايين من فوق خط الفقر، ويقبع عشرات الملايين تحته. هذه حكاية جيش للجيش، لا جيش للشعب.

هدية الجيش للمصريين
مثل أسلافه جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك فإن عبد الفتاح السيسي هو هدية المؤسسة الأهم في مصر، للمصريين.

في مؤسسة الجيش المترامية: السرية هي اسم اللعبة، ميزانية الجيش لا تخضع للمراقبة ولا للضرائب، هذه لعبة قاتلة للاقتصاد الوطني.

“لو واصل الجيش البقاء في وضع الدولة داخل الدولة، وجمع الأرباح عوضًا عن الدفاع عن الناس؛ فسوف ينتهي لتقويض دعائم الدولة التي يدعي حمايتها.”
تلك السرية جعلت الباحثين يخمنون نسبًا يستحوذ عليها الجيش من الاقتصاد تبدأ عند نسبة ضئيلة لا تتجاوز 5% من الاقتصاد القومي، وتصل إلى نسبة كاسحة تقدر بـ40%. لكن أرقام الرئيس تقول إن اقتصاد الجيش لا يتخطى 1.5% من الاقتصاد الكلي للبلاد. ولو صحت هذه النسبة، فاقتصاد الجيش يقف بين 20 إلى 30 مليار جنيه مصري، (1.66- 2.77 مليار دولار)* وذلك حسب الناتج القومي الإجمالي لعام 2015-2016.

ولكن خلال السنة المالية نفسها التي قال فيها الرئيس هذه النسبة، تعاقدت مصر مع ألمانيا الاتحادية على شراء 4 غواصات هجومية. وأُعلن أن سعر غواصتين منهما يتخطى مليار دولار، ما يعني أن الغواصات الأربع سيصل سعرها إلى ملياري دولار تقريبًا. وهو رقم يشكك في صحة تصريح الرئيس.
مصائر متشابكة
الرئيس والقيادات العليا في المؤسسة ليسوا هم مشكلة مصر الوحيدة، هم مجرد أحجار ضخمة تتصل ببالون ضخم يدعى مصر. لكي يطير هذا البالون، فلابد له أن يُشذِّب ويراجع دور هذه الأحجار.

القيام بهذه الخطوة لن تكون مهمة سهلة. فإبقاء البالون مثقلا، يراه الرئيس تحقيقا للاستقرار، ويبدو أنه وعد القوات المسلحة بما يشبه المقابل، بحيث يمنحهم سيطرة شبه تامة على الاقتصاد، مقابل دعمهم السياسي وما يراه هو كفاءة لا توازيها كفاءة أخرى من أي مؤسسة أو قطاع في البلاد.

هذه الأساليب التي يراها تقوي شوكته، ربما تكون على العكس تماما من ذلك؛ ربما تكمن فيها نهايته. كما تقول ميشيل دن المتخصصة في الشأن المصري بوقفية كارنيجي للسلام الدولي، في تصريحاتها للجنة الاستماع الفرعية بالكونجرس الأسبوع الماضي. هذه حكومة – كما تقول- ” تتبنى سياسات تعد بعدم استقرار مزمن، الدولة تعاني وربما تكون متجهة نحو حالة من الاضطراب”.

في مطلع الأسبوع الماضي، خلال كلمة غير رسمية، أوضح الرئيس أنه مُلم بغضب الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع الأسعار. وأنه لو كان مُلامًا- كما يشرح-، فهو مستعد للرحيل. الهاشتاج الأكثر استخدامًا بين المصريين عقب هذه الكلمة كان: #مش_عايزين_السيسي.

رغم أنه هو الذي يتخذ قرارات غير محسوبة تنعكس على الاقتصاد، فقد قال إن القادة السابقين للبلاد كانت تنقصهم الشجاعة اللازمة وفشلوا في إجراء الإصلاحات الضرورية، وأنهم هم الملامون على ما تعانيه البلاد الآن. الشهر الماضي، واصل الاقتصاد التراجع، وصل التضخم إلى 30.9% لأول مرة في ثلاثة عقود.

لكن لو كنت اشك في مسؤولية أحد عن تراجع الاقتصاد فالسيسي هو المسؤول الأول ويليه الجيش.
توسع جبار
القوات المسلحة هي حارس البوابة الأول للاقتصاد المصري، وللوصول لعمق المشكلة، علينا أن نفتح تلك الدفاتر السرية. ولكن الجيش تقريبًا لا يفتح هذا الباب أبدًا.. تقريبًا.

في عام 2012، وفي مناخ سياسي مختلف كليا، وقتما كانت المؤسسة تحت ضغط صوت الجماهير الغاضب والممتلئ بالثقة الثورية، اضطر الجيش للافراج عن أرقام قال فيها إن كافة مشروعات الجيش تتحصل على أرباح سنوية تبلغ 198 مليون دولار أمريكي.

لو كنت مثلي فأنت ستعرف ان هذا الرقم قليل بشكل مضحك، يمكنك فقط أن تنظر إلى تصريح وزير الإنتاج الحربي السابق سيد مشعل، الذي قال فيه إن أرباح مشروعات وزارته في 2009-2010 بلغت 345 مليون دولار، هذا التصريح سيكشف لك أن التصريح الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 2012، هو مجرد نكتة ثقيلة الظل.

من الواضح إذن أن الأرقام النادرة اتي تفصح عنها المؤسسة يتم فيها التقليل من الحقيقة بشكل كبير. ولكن كيف لباحث أو محلل أن يخوض خلال هذه المعلومات المضللة كي يجد الحقيقة؟ الكثير من المحاولات للحصول على معلومات من مصادر مستقلة أو حتى تفاصيل اقتصادية من المؤسسة العسكرية تقود إلى نهايات مغلقة أو روابط لصفحات كانت موجودة يومًا وألغيت. لو أن الجيش ليس لديه ما يخفيه، فلم لا توجد معلومات؟

منذ أيام ناصر بدأ اسناد بعض المشروعات إلى الجيش على استحياء وسط قاطرة القطاع العام، ميراث ناصر المُبَدد. ومع الوقت توسع الجيش ليصبح هو مقدم الخدمات الأول في البلاد، ما جعل الاقتصاد يعتمد كليًا على المؤسسة العسكرية.
مع الانفتاح الساداتي صار الدور الاقتصادي للجيش واقعًا، لكن مبارك أعاده بقوة من خلف الستار كهدية للمؤسسة، كي تشيح بوجهها عن عملية التوريث غير الشرعية للحكم.

في النهاية، كان في هذا مقتله. ولكن، في عهد السيسي، فإن الدور الثنائي للجيش كمقدم رئيس للخدمات، والفيل في غرفة الصناعة المصرية تضخم بشكل كبير.

قناة السويس الجديدة الفاشلة – وفقًا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على الأقل- على رأس قائمة طويلة من المشاريع التي أهديت للجيش الذي تتراوح مشروعاته من تعليب مياه الشرب والمخابز ومحطات الوقود وتجارة الأراضي والفنادق، والشراكة في واحدة من أكبر تكتلات النقل البحرية برفقة بنوك مملوكة للدولة ومُقرضين دوليين. وتتمدد لتشمل تعليب الأطعمة ومصانع الصلب ومصايد الأسماك ومصانع الأدوية، وتغذيها العديد من المصادر على رأسها العمالة الرخيصة الممثلة في 500 ألف مجند إجباريًا.

إذن فالقوات المسلحة يمكنها أن تتقدم بعروض في مناقصات المشروعات الكبرى والمتوسطة وحتى القومية والعملاقة، وهي تقدم أقل عرض بالمقارنة بمنافسيها، رغم أنه لا توجد منافسة تذكر أصلا. فهناك سكين خفي في هذا الصراع المالي: اسم الجيش الحاضر بقوة. المنافسة إذن مع الشريك صاحب العضلات.

السر المعروف للكثيرين، هو أن عشيرة مبارك التي قادها ابناه جمال وعلاء كان يتم فرضها للشراكة في الأعمال بالقوة، دون أن يدفعوا أي رأسمال، وكانت شراكتهما هي ثمن قيام المشروع، ويقال أن الجيش يتمتع بذات الميزة في عهد السيسي.

مع ذلك الاحتكار الافتراضي للعديد من المشروعات الحيوية، تقطر السرية بالفساد، فهل من الغريب أن الاقتصاد يعاني من مشكلة بنيوية؟ الاقتصاد الخاص على اختلاف أحجام مشروعاته غير قادر على منافسة هذا العملاق.

عرق ودماء

 
في 2011، عندما انتفض المصريون لم تكن مجرد ثورة ضد مبارك، ولكن في أعين المراقبين المحنكين، كانت ثورة ضد النظام كله الذي يعد الجيش حاكمًا فعليًا فيه.

كي تحصد ثمار النجاح، كانت الثورة تحتاج إلى القيام بتغييرات بنيوية وأن تضع الجيش في الهامش المناسب اقتصاديًا وسياسيًا.

لكن على العكس، منذ تلك الأيام المجيدة للانتفاضة الشعبية، قاد الجيش ثورة مضادة أهدافها الأساسية لا تقل عن السيطرة التامة على الاقتصاد والسياسة، يقودها جوع للمال وتحقيق المصالح الشخصية للقيادات.

لكن، لم يتعلم الجيش من التاريخ، إن المكاسب قصيرة ومتوسطة المدى مهما كانت ضخامتها، يمكنها أن تؤدي إلى خسارات على المدى الطويل. الظلم الموروث في الساحة الاقتصادية والسياسية يمكن أن يؤدي للاضطراب الذي حاول اصحاب الأسلحة أن يعرقلوه منذ 2011.

بعد ثمانية أيام من الثورة، حذرت من “من يملك خُمس الكعكة، لم يتخلي عنها بسهولة.. سيحاولون أن يقمعوا أي محاولات مؤسسية أو دستورية تقلل من تحكمهم الاقتصادي”.

لو كانت هذه الكلمات نبوءة، فإن التحليلات والوضع الحالي للاقتصاد التابع للمؤسسة العسكرية، يحمل عدم الاستقرار لهؤلاء الذين يمسكون بزمام الأمور.

لو واصل الجيش البقاء في وضع الدولة داخل الدولة، وجمع الأرباح عوضًا عن الدفاع عن الناس؛ فسوف ينتهي لتقويض دعائم الدولة التي يدعي حمايتها.

وأيًا كانت المحصلة، دع كلمات الجنرال المسؤول عن ملف اقتصاد الجيش ترن في أذنك: “دا عرقنا وهندافع عنه بدمنا”.

(*) ورد في نسخة مبكرة من المقال أن نسبة استحواذ الجيش تتراوح بين (1.66- 2.77 مليون دولار)، والصحيح أنها تتراوح بين (1.66- 2.77 مليار دولار).

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *