في يوم 25 مارس/ آذار 2010، طرحت سؤالاً في التاريخ على الدكتور محمد البرادعي، بعد أسابيع من عودته إلى مصر، سائقاً محترفاً لشاحنة التغيير. وفي 6 أبريل/ نيسان 2017، جاءت إجابة البرادعي من منهج الكيمياء، كيمياء السعادة والانشراح والتناغم التي بدت على وجهه، وهو يتبادل الابتسامات مع جندي إسرائيل الأول، إيهود باراك. قبل سبع سنوات، قلت تحت عنوان” سؤال إجباري للبرادعي” ما يلي: “تحدث الدكتور محمد البرادعى مطولا ومفصلا فى ضرورة التغيير وآلياته، وأدلى بدلوه فى كل شيء، من التعليم والثقافة والإصلاح الدستورى والصحة والعلاج والفقر والتنمية، فيما بقيت مناطق غائمة فى رؤية البرادعي لقضية جوهرية حاكمة، وهى القضية الفلسطينية والصراع العربى ــ الإسرائيلى”. وتساءلت “نريد من البرادعى أن يقدّم لنا رؤيته للصراع العربى ــ الإسرائيلى، وتصوّره دور مصر في هذه المسألة، هل هى طرف فى الصراع، أم مجرد وسيط بين أطرافه المباشرة، أم أنها مجرّد فندق فى شرم الشيخ، ينزل فيه اللاعبون الأساسيون، ويعقدون مؤتمراتهم ولقاءاتهم؟ نريده أن يشرح لنا هل نحن مسؤولون ــ مازلنا ــ تاريخيا وأخلاقيا، وحتى باعتبارات المصلحة عن الوصول إلى حل عادل لمأساة الشعب الفلسطينى؟ وهل هذا الشعب أخوة لنا وأشقاء، أم أنهم مجرّد جيران؟” الآن، بعد سنوات سبع، تأتينا إجابة البرادعي من”ريتشموند الأميركية، يصفعنا بضحكاته الصافية في صوره الحميمية للغاية مع وزير الحرب الصهيوني، ويطعننا بعديد الصور التي تعبر عن كيمياء عاطفية، تتفوق على كيمياء السيسي/ ترامب، كيمياء تليق بصديقين في رقصة تانغو سياسي، وتطغى على رقصة الأستاذة الجامعية فوق سطوح منزلها. التوقيت غريب حقا، ذلك أن البرادعي يقطع هذا الشوط البعيد في السكة البطّالة، سكة التطبيع، تزامناً مع إعلان عبد الفتاح السيسي ولاءه التام وخضوعه الكامل لما يراه دونالد ترامب، ويكشف عما أسماه جنرال 30 يونيو “صفقة القرن”، فهل يمكن اعتبار البرادعي، أيضاً، بوصفه “مساعد جنرال 30 يونيو” لاعباً أساسياً في “صفقة القرن”؟.
هذا سؤال آخر نتركه للأيام، غير أن ما ينبغي التوقف عنده هنا أن مواقف البرادعي من القضية الفلسطينية اتسمت بالميوعة والمراوغة، بل وباللف والدوران، منذ هبط على أرض حراك التغيير في مصر، وقد أشرت إلى ذلك مرات، كانت أولاها في منتصف أبريل/ نيسان 2010 حين قرأت على مواقع فلسطينية تصريحاتٍ منسوبة للبرادعي، يقول فيها إن “عملية السلام ليست أكثر من نكتة سخيفة، يتلهى بها العرب منذ عشرين عاما”. لكن البرادعي لم يسمح لنا بأكثر من سويعاتٍ من الفرحة بهذا الموقف المحترم، إذا سارع المتحدثون باسم البرادعي، مذعورين، ينفون هذه التصريحات، جملةً وتفصيلاً، وكأنه جاء بقول معيبٍ أو صادم لمشاعر الجماهير، يستوجب التكذيب والنفي والاعتذار. باختصار، يمكن اعتبار البرادعي مواطناً شرق أوسطي نموذجياً، بمقياس شيمون بيريز، ذلك أنه، منذ البداية، راسبٌ في مادة القضية الفلسطينية، ومع سبق الإصرار. وبصوره البهيجة مع إيهود باراك لا يختلف الحاصل على جائزة نوبل للسلام عن علي سالم، أو أي تطبيعي آخر، دخل التاريخ من أبشع أبوابه، بل أنه يتفوّق على كل المطبعين، كونه يجد ذاته في حضرة إيهود باراك، أعتى جنرالات الحرب الصهاينة إجراماً وولوغاً في الدماء العربية. يبتسم البرادعي سعيداً للغاية بدفء العلاقة مع مجرم حرب، وصفته رئيسة حركة ميريتس اليهودية بأنه “مقاول للقتل”. ناهيك عن أنه اشتهر بخمس لاءاتٍ استراتيجية لم تتغير: لا عودةَ إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967، ولا للتراجع عن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وتحت سيادتها، ولا تراجعَ عن ضم مستوطنات الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل، ولا سماحَ بوجود جيش أجنبي أو عربي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين. كان باراك يخوض انتخابات رئاسة الحكومة الصهيونية بشعارٍ ثابت لا يتغير، لاجتذاب أصوات الناخبين، هو”من قتل من العرب أكثر مني؟!”.
والآن، يحق للبرادعي أن يطلق شعاره” من خدع من الجماهير العطشى للتغيير أكثر مني.. من ساعد الجنرال نور عين إسرائيل للوصول إلى الحكم انقلاباً أكثر مني.. من طالب بتغيير عقيدة الجيش القتالية، وأغرقه في مستنقعات السياسة والبيزنس أكثر مني؟”.