محمد صلاح | أمريكا.. تحكمها امرأة!

Screen Shot 2017-04-24 at 5.02.47 PM
الإرهاب و الديكتاتورية في الشرق الأوسط | في ضوء زيارة قائد الانقلاب السيسي لدونالد ترمب
أبريل 1, 2017
Screen Shot 2017-04-24 at 11.37.01 PM
متابعة فعاليات المجلس الثوري المصري مع شركاء الثورة الاحرار فى الولايات المتحدة
أبريل 4, 2017

محمد صلاح | أمريكا.. تحكمها امرأة!

Getty Scott Olson

Getty Scott Olson

منذ إقرار دستور الولايات المتحدة الأمريكية في 4 آذار/ مارس 1789، وانتخاب جورج واشنطن (1732 – 1799) كأول رئيس للبلاد فى نفس السنة، توالى على أمريكا أربعة وأربعون رئيسا ليس بينهم امرأة!

والآن بَقي من الزمن أمام العالم قرابة الأشهر التسعة في انتظار مخاض الانتخابات الثامنة والخمسين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والمقرر إجراؤها في يوم الثلاثاء 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، فالولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها المتصدرة لركب الحضارة والتطور، على موعد مع تَحدٍ جديد لموروثاتها الثقافية الراسخة المُستعصية على التزحزح، باختبار مدى استعدادها لتقبل فكرة تَسيّد امرأة للبيت الأبيض.

بالكاد تزحزح الموروث الثقافى الأمريكي خطوة عندما ألغت العبودية بشكل نهائي في كانون الأول/ ديسمبر 1865، بعد كفاح وتصميم من الرئيس السادس عشر “إبراهام لنكولن” (1809- 1865)، والذى دفع حياته ثمنا لذلك في السنة ذاتها! ولم يعتذر مجلسا النواب والشيوخ عن العبودية إلا بعد قرابة قرن ونصف القرن (حوالي 144 سنة) من هذا التاريخ، حيث قدم كل منهما (مجلس النواب في تموز/ يوليو 2008، ومجلس الشيوخ في حزيران/ يونيو 2009) نصا رسميا يعبر عن بالغ الأسف عن العبودية، ويُعَدُ اعتذارا رسميا عن الظلم والقسوة والوحشية واللاإنسانية التى سببها الرق!

ثم تزحزح الموروث الثقافي الأمريكي خطوة أخرى، بانتخاب الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة، “جون كينيدي” (1917 – 1963)، وهو أول رئيس كاثوليكي لأمريكا التي يغلب عليها الطابع البروتستانتي، وأول من تحدث عن الحقوق المدنية للسود، وانتهج سياسة مُبتكرة لإلغاء التمييز العنصري في  أيلول/ سبتمبر 1961 بتسجيل طالب أسود في جامعة ميسيسيبي، ليدفع حياته ثمنا هو الآخر، ويتم اغتياله في يوم الجمعة 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963!، وهو ما لم تُفك طلاسمه حتى الآن.

ثم تزحزح الموروث الثقافي الأمريكي خطوة أخرى (بعد 100 سنة من إلغاء العبودية) في عام 1964 بصدور “قانون الحقوق المدنية” في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يطوى صفحة التفرقة العنصرية، وكان ذلك أيضا بعد مشوار كفاح قاده داعية الحقوق المدنية “مارتن لوثر كينج” (1929- 1968) استحق عنه جائزة نوبل للسلام، ثم دفع حياته ثمنا لزحزحة ثقافة أمريكية راسخة، ليلحق بالرئيس “لنكولن”!

لنصل إلى آخر عهد للعالم بزحزحة الموروث الثقافي الأمريكي، وذلك فى عام 2008، بانتخاب الشعب الأمريكي لأول رئيس أسود فى تاريخ أمريكا، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية “باراك أوباما” (وُلد فى أغسطس 1961) ، عضو مجلس الشيوخ الأصغر سنا في الولايات المتحدة عن ولاية إلينوي، والذى فَضَّلَهُ الحزب الديموقراطي فى الترشيح لمنصب الرئاسة على “هيلاري كلينتون”، السياسية المخضرمة وزوجة “بيل كلينتون” الرئيس الثاني والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية!

لكن لماذا لم يرشح الحزب الديموقراطي “هيلاري كلينتون” سيدة البيت الأبيض السابقة، لمنصب الرئاسة فى 2008، وقدم عليها “باراك أوباما”؟ ألأنها امرأة يا تُرى، ولم يسبق للأمريكان ولم يخطر ببالهم أن تحكمهم يوما امرأة؟! بالفعل لم تحكَم أمريكا يوما منذ نشأتها امرأة، ولم يفرز المجتمع الأمريكي في تاريخه الحافل بالحرية والديموقراطية والتقدم نموذجا واحدا لأمرأة تتقدم لحكم البلاد! في وقت كانت “ماري أنطوانيت” ملكة فرنسا (من 1774 إلى 1792)، و”كاترين الثانية” ملكة روسيا (من 1762 إلى 1796)، و”إيزابيلا الثانية” تحكم إسبانيا (من 1833 إلى 1868)، و”فيكتوريا” ملكة المملكة المتحدة (من 1837 إلى 1901) والتي تمكنت من توسيع إمبراطورية بريطانيا العظمى وأيرلندا لمسافة 14 مليون ميل مربع، لتشمل القارات الخمس في العالم..

وتطور الزمن واتسعت رقعة الحرية السياسية والاجتماعية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، وأتيح للمرأة أن تقود بلادها بقوة وتفوق وجدارة في أنحاء كثيرة من العالم، واعتلت نساء كثيرات مقعد السلطة في دول متقدمة وأخرى فقيرة، من “إنديرا غاندي” رئيسة وزراء شبه القارة الهندية، إلى “مارجريت تاتشر” أول سيدة رئيسة للوزراء في المملكة المتحدة لثلاث ولايات متتالية (من 1979 إلى 1990)، وهي أول سيدة تتزعم حزب المحافظين، و”المرأة الحديدية” التى انتصرت فى حرب فوكلاند عام 1982. أيضا “ماري روبنسون” أول رئيسة لأيرلندا (من 1990 -إلى1997)، وتلتها في منصب الرئاسة “ماري ماكليس” التي اختارتها مجلة فوربس الأمريكية كواحدة من أقوى سيدات العالم في 2008، و”أنجيلا ميركل” مستشارة ألمانيا وسيدة أوروبا القوية، و”ديلما روسيف” أول امرأة تنتخب لرئاسة البرازيل في عام 2011، بعد نضالها السياسي الذي عرضها للاعتقال والتعذيب إبان النظام العسكري الذي حكم البرازيل حتى عام 1985، وصنفتها مجلة “فوربس” الأمريكية عام 2015 في المرتبة السابعة لأكثر النساء تأثيرا في العالم، و”كريستينا دي كيرشنر” رئيس الأرجنتين لثمانية أعوام، و”بي نظير بوتو” رئيس وزراء باكستان لفترتين غير متتاليتين (بين عامي 1988 و 1993) إلى أن تم اغتيالها سنة 2007، و”كورازون أكينو” أول سيدة تشغل منصب رئاسة الفلبين (من 1986 إلى 1992) بعد الإطاحة بالديكتاتور فيردناند ماركوس عام 1986، واختارتها مجلة تايم “سيدة العام”.. و”تانسو تشيللر” التى كانت أول امرأة تتولى منصب رئيسة وزراء في تاريخ تركيا الحديث، و”إيلين جونسون سيرليف” الأرملة البالغة من العمر 67 عاما، وأول سيدة تشغل منصب رئيس دولة إفريقية هي “ليبيريا” التي طالما عانت من الحروب الأهلية والمشاكل الاقتصادية والاضطرابات، حيث التي أطاحت بمنافسها لاعب الكرة الليبيري الشهير “جورج وايا”، وحصلت على جائزة نوبل للسلام لعام 2011 مع مواطنتها “ليما غوبوي” واليمنية “توكل كرمان”.. وهكذا.. من “تايوان” إلى “أيسلندا” ومن “سريلانكا” إلى “فنلندا” ومن “تشيلي” إلى “إستراليا” ومن “لاتفيا” إلى “كرواتيا”.

في العالم كله (باستثناءأمريكا والمنطقة العربية، ودول قليلة أخرى) لا تواجه الشعوب مشكلة في تولي المرأة المُلك أو رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء، فقد تحررت المرأة من قيودها واكتسبت حقها في القيادة، وحكمت وخدمت بلادها وأبهرت العالم بنجاحها.. إلا أن كل هذا التاريخ الطويل من التحرر والتطور والإبداع لم يكن كافيا لإثارة غيرة الأمريكان وإشعال حماسهم، وزحزحتهم عن ثقافتهم الموروثة المُتحفظة تجاه أن يرأس بلادهم امرأة!

فبالرغم من أن نسبة النساء المتعلمات فى أمريكا تفوق نسبة الرجال المتعلمين، ونسبة القاضيات في بعض الولايات تفوق القضاة الرجال، وفي كليات الطب والقانون والهندسة يكثر عدد الطالبات ويبلغ النصف تقريبا من المجموع العام، وحتى في الجيش الأمريكي توجد المرأة بنسبة 12% من القوى العسكرية الفعلية.

ومع أن المرأة تتبوأ مراكز مهمة في السلك الدبلوماسي والحياة السياسية، إلا أنها لا تشغل أكثر من 17% من المقاعد في الكونغرس (فى السويد مثلا تمثل المرأة 45% من أعضاء البرلمان، وفي رواندا تمثل المرأة 48% من أعضاء مجلس النواب) ومن بين ثمانية وستين وزيرا لخارجية أمريكا على مدار تاريخها، لم يشغل هذا المنصب الرفيع من النساء سوى ثلاثة، وهن بالترتيب (مادلين أولبرايت، كونداليزا رايس، وهيلاري كلينتون)، فى الوقت الذي يسيطر فيه الرجل الأمريكي على كل المراكز المهمة في مؤسسات الدولة، السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية!

وتبقى أمريكا داعية حقوق المرأة الأعلى صوتا فى العالم، والتي صدعت رأس الكرة الأرضية بالمطالبة بحق المرأة في كل شيء ومساواتها بالرجل بلا حدود، تبقى غير مستعدة (حتى الآن على الأقل) لأن تتقبل فكرة أن ترأسها امرأة!

والآن، وبعد أن أبدى الشعب الأمريكي استعداده يوما أن يُلغي العبودية، وأن يتخطى العنصرية ويكرس الحقوق المدنية، وأن يُسلم البيت الأبيض لرئيس كاثوليكي شاب (جون كينيدي) مرة، ولرئيس أسود شاب (باراك أوباما) مرة أخرى، هل لدى الشعب الأمريكي نفس الاستعداد هذه المرة أن يزف “امرأة” رئيسا للبيت الأبيض؟! امرأة بيضاء، تبلغ من العمر سبعة وستين عاما، محامية وسياسية مخضرمة، وزوجة رئيس أمريكي سابق، ووزيرة خارجية سابقة، عُرفت بتأييدها اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وتأييدها جدار الفصل الذي بنته إسرائيل في فلسطين المحتلة، كما عارضت نتائج الانتخابات الفلسطينية التي أوصلت حماس للحكم، كما رفضت الغزو الأمريكي للعراق، وصرحت بأنها ستسحب كل الجنود الأمريكيين من العراق وأفغانستان إذا أصبحت رئيسة للولايات المتحدة، وكذاك عُرفت بتصريحاتها المناهضة لامتلاك إيران الطاقة النووية.. أم سيفضل الشعب الأمريكي عُنصريا مهووسا كـ”دونالد ترامب” أو “بوش” آخر يُشعل العالم نارا كـ”جيب بوش” على أن تحكمه امرأة؟!

على أية حال لنتابع مجريات الأحداث الذى يُتوقع أن تكون شديدة السخونة ولا تخلو من مفاجآت، وننتظر مخاض انتخابات الرئاسة الأمريكية بعد تسعة أشهر من الآن.

المصدر:عربي٢١.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *