يظهر هذا المصطلح في علوم الاقتصاد؛ حيث تعرف على أنها قيمة الخسارة المحتملة في المشروع الحالي إذا تم اختيار مشروع بديل، والحقيقة أن هذا التعريف غير قاصر على الاقتصاد فقط ولكن فكرة الفرصة البديلة نقوم بها تقريبا في كافة خياراتنا اليومية حتى البسيط منها، وأعتقد أنه أحد ركائز أنظمة الضبط والسلطة.
فمشهد الأمس في مدينة كفر الشيخ المصرية الذي يحتوي على عشرات الآلاف من الشباب الباحثين عن وظيفة له عدة دلالات حول فكرة الفرصة البديلة، هذا المشهد وهذا العدد الهائل نراه في محافظة مصرية تحتل المركز السادس عشر من حيث الكثافة السكانية كما أنها في الترتيب الثاني عشر من حيث مستوى الدخل أي أن هناك خمسة عشر محافظة أكثر فقرا منها.
إذا لدينا محافظة متوسطة في الكثافة السكانية والفقر بالنسبة لباقي محافظات مصر ورأينا عشرات الآلاف تحاول التقدم لوظائف تحت رعاية المحافظة، التي تدعي أن عدد فرص العمل المتاحه 11 ألف وظيفة؛ وإذا علمنا أن تكلفة فرصة العمل في مصر حوالي 60 ألف جنيه إذا نحن أمام استثمارات جديدة من القطاع الخاص في محافظة واحدة تقترب من المليار جنيه.
وهذا ليس رقما كبيرا على دولة إن أرادت حقا استثمار الطاقات الإيجابية المعطلة ولكن بالتأكيد كبير على شركات محلية تعمل داخل محافظة في ظروف اقتصادية مأساوية كالتي تعيش فيها مصر.
من الواضح أنه استمرار من النظام السياسي وتابعيه في صناعة فرص بديلة وهمية، وطبقا للإحصاءات؛ فإن 40% من الشعب المصري تحت خط الفقر ويعني ذلك وجود دخل شديد التدني أو عدم وجوده على الإطلاق مما يجعل أي عرض للعمل في أي مكان فرصة متميزة للمعدمين وغيرهم من أصحاب الدخول المتدنية. ودائما ما يحاول النظام صناعة فرص وهمية للشعب وهذا ليس جديدا.
فعلى سبيل المثال مشروع توشكى أيام مبارك ومشروع القروض المتناهية الصغر وغيرها لم تحقق أي نجاح ملموس هذا إما لسوء التخطيط كتوشكى؛ أو الفساد المرتبط بالتنفيذ كما في حالة موضوع القروض، والحقيقة أن هناك سببا كامنا خلف الفشل وهو كما أرى أن هدفه الرئيسي محاولة لصناعة الأمل بوجود فرصة بديلة مستقبلية وليس صناعة فرص أو استثمارات حقيقية؛ فلسان حال النظام يقول؛ صحيح أنت تخسر الآن ولكننا نصنع المستقبل الذي لا يأتي أبدا.
الطريف في الأمر أن النظام القديم كان يقتطع جزءا مما يسرقه من الشعب لصناعة هذه الأحلام الكاذبة أما النظام الحالي فهو أكثر مجونا حيث يأخذ هذه الأموال من الشعب كما حدث في ما تسمى تفريعة قناة السويس أو حتى بالأمس حيث جمع ستين جنيها من كل متقدم للوظيفة؛ يبدو أنهم أكثر بخلا أو فسادا أو أنهم واثقون تماما في سيطرتهم على الشعب والقضاء على القوى المجتمعية.
وبالنظر إلى عشرات الآلاف الذين رأيناهم بالأمس فأكثرهم بالتأكيد لا يجد عملا منتظما على أحسن الأحوال ويطمح في الحصول على أي دخل مستقر عن طريق العمل وهذا حق قبل أن يكون واجبا، وما يلفت النظر في هذا السياق هو أن عشرات الآلاف يحاولون رغم ضعف إيمانهم الشديد باحتمالية النجاح أولا للعدد الكبير نسبة لعدد الوظائف – وهذه أحد أهم أهداف رأس المال – والثاني عدم ثقتهم بجدية الموضوع من التاريخ الطويل في الكذب من مؤسسات النظام، ومع ذلك اعتبر هؤلاء أن هناك فرصة ما سانحة حتى لو دفع مبلغا ما فإن حجم المخاطرة القليل رآه مجديا.
إذا نظرنا لهؤلاء العشرات من الآلاف نجدهم قادرين على تحرير المحافظة بأكملها إن لم يكن كل الدلتا لو اعتبروا تحرير مصر فرصة بديلة أفضل من الوقوف لساعات ودفع نقود مهما كانت قليلة؛ وهذا من أجل احتمال ضعيف للغاية يقترب من الصفر للحصول على وظيفة، وللتذكرة هذه المحافظة تليها خمسة عشر محافظة أكثر فقرا.
هذا المشهد هو أكثر المشاهد سعادة للنظام المستبد؛ حيث أنه يثبت لنفسه أن الشعب ما زال يمكنه التجمع تحت راية النظام في أي مشهد حتى لو مشهد استعبادي، ويؤكد أن مشهد الثورة ضده ما زال بعيدا عن عقول عشرات الآلاف من الشباب وهم من المؤهلين بشكل أكثر للتمرد، ويثبت أيضا أن القوى الفاعلة بالمجتمع تحت ضغط هائل بحيث يُصعِّب من قدرتها على إثبات أن الثورة والتغيير فرصة أكثر جدوى من الوقوف أمام ستاد كفر الشيخ.
استطاع النظام عبر أدواته خلال السنوات السابقة زرع تلك القناعة لدى الكثير بعد أن أضعنا لحظة فارقة؛ ولكن لا زال الظلم المتفشي في مصر واستمتاع العسكر وتابعيهم بإذلال الشعب المصري قادرا على تفجير الوضع ولكن علينا إقناع المجتمع والشباب المتسلق لأسوار الاستاد أن هناك طريقا آخر أكثر كرامة؛ ربما يكون أصعب ولكنه في النهاية ممكن.