لم تكن سنة سعيدة على أي حال؛ فقد كان 9 أبريل أحد الأيام الكارثية والتي سقطت فيها بغداد وسقطت معها أوهام كثيرة، وقبل ذلك بأشهر معدودة قام عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق بالإعلان عن تعويم الجنية المصري، وكان ذلك في أحد أشهر الفنادق المصرية، بعيدا عن الغوغاء، وفي حضور رجال “الإيكونومست”، أحد أشهر المجلات الاقتصادية.
خسر الجنية نصف قيمته تقريبا، وخسر معها المصريون نصف قيمة مدخراتهم المالية، ولكن لا بأس، فالمهم هو نمو الاقتصاد وتقليل عجز الموازنة، فالساسة الكبار والاقتصاديون الماهرون في هذه الأوقات -كالقادة العسكريين- لا يهمهم حجم الخسائر، ولا عدد القتلى في المعارك، فالمهم هو الانتصار؛ سواء في ساحات المعارك أو في ساحات البنوك.
وكما الجندي البائس في الجيوش النظامية الذي يذهب للحرب بشعارات حماسية من أجل الوطن وحمايته، منتظرا النصر والمجد، الذي لن يأتي وقد لا يأتيه إلا الموت؛ يتحطم الدخل النقدي للمواطن أيضا بشعارات حماية الوطن ونصرته وهو ينتظر أيضا الرخاء الذي لن يأتي ولا يأتيه إلا الفقر، لم يكن ذلك موجودا عندما كان النقد غير موجود، وكان الكل يستطيع إنتاج الحد الأدنى لاحتياجاته.
كانت هذه الضربة الدولارية أحد التجارب المؤلمة للكثير من الشعب المصري وتعرض الكثير من أصحاب الدخول الثابتة المتواضعة لضربة عنيفة، وكان من المفترض أن يكون هذا الإجراء القاسي والمؤلم على قطاع واسع من المصريين هو طوق النجاة للاقتصاد المصري كما بشرنا أصحاب الياقات البيضاء بالخروج من عنق الزجاجة.
إلا أن الأمر لم يكن كذلك وحتى التحسن النسبي في الميزان التجاري يرجعه البعض إلى انتعاش الاقتصاد العالمي وبيع أصول الدولة، واستمرت مصر في عنق الزجاجة حتى الآن وأعدنا أحداث 2003 في 2016 بصورة أكثر فجاجة وربما تعاد مرة أخرى قريبا؛ فالقضية ليست سياسات نقدية أو اقتصادية فقط ولكن في طبيعة النظام الذي يقوم بهذه السياسات، فمهما كان حجم العمل أو الإجراءات التي قد تبدو صحيحة في نظر البعض فهي ان تحقق نجاحا في نظام فاسد.
في 2003 كان بيع أصول وممتلكات المصريين على أشده وكانت الآمال الزائفة المعلنة من الدولة الفاسدة تملأ آذان المصريين أن القادم أفضل كما حدث تماما منذ يوليو 2013 ومستمر حتى الآن؛ وكما حدث في سبعينيات القرن السابق عندما أعلن السادات تغيير السياسات الاقتصادية من أجل رفاهة الشعب ، إن كل تاريخ المصريين منذ بداية النصف الثاني من القرن السابق مرتبط بالإعلان عن آمال كبرى لا تلبث أن تذهب أدراج الرياح.
فالقضية ليست في الإجراءات ولكنها في طبيعة النظام الذي سيحقق أهدافه من تطبيقها؛ وستبقى الأمور هكذا نتراوح بين اليمين واليسار، ونتشاجر أيهما أفضل للمجتمع المصري، وهذا قد يكون صحيحا، ولكن البداية في ضبط نظام السلطة أولا حتى يتحقق المرجو من أي إجراء.
إن حالة 2003 لن تنتهي، وسيبقى المجتمع يعاني من صدمات متتالية من الفساد المتجذر في هيكل ومؤسسات النظام، وحكاية الدواجن المستوردة الأخيرة دليل قاطع وحاسم لا يقبل الجدل على مدى ما وصلت إليه منظومة السلطة في مصر من فساد مطلق؛ فنصوص القانون وكل مؤسسات الدولة مسخرة لخدمة صفقة ما لصالح شخص أو جهة ما؛ وبالتالي فهي ليست دولة أو سلطة، بل أقرب إلى التشكيلات العصابية التي تحتكم إلى القوة، والقوة فقط، لفرض ما تشاء.
لم يكن ما حدث في 2003 تغييرا في سياسات بقدر ما هو حالة إعلان عن فشل منظومة الفساد في إخفاء فشلها، وتكراره الآن هو تأكيد على تلك الفكرة، والأمر الأسوأ أن يبقى البعض ممن يحطمهم هذا التدمير الممنهج ينتظرون خيرا من تلك العصابة، والأكثر سوءا أن يحاول البعض قصر الأزمة على مجرد سياسات خاطئة، دون التعرض لأصل الأزمة.