egypt-mill-tanks
فاروق المساهل – العسكر وتتابع الكوارث
نوفمبر 18, 2016
flag_of_egypt-svg
بيان رابطة علماء ودعاه ضد الانقلاب في أوربا – حول مجزرة سجن برج العرب وثبات الأبطال
نوفمبر 18, 2016

أحمد نصار – مشهدان من مصر

pic

“في أسبوع واحد يأتي مشهدان من مصر، متناقضان متضاربان، ويعبران عن حالة الاستقطاب المروعة التي أصبحنا نعيشها الآن!!

المشهد الأول جاء من مهرجان القاهرة السينمائي، حيث عجائز شمطاوات في غاية الابتذال، وقمة الانحلال، ينشرن التبرج والسفور، ويتباهين بالعري والفجور، فصرن رمزا للفوضى الأخلاقية و والدناءة الروحية!

والمشهد الثاني جاء من معتقل برج العرب، حيث نساء مراببطات، يواجهن قمع الأمن وبطشه، ومر الأسر وذله! يُمنعن من زيارة ذويهم، الذين يُضربون داخل الزنازين بالهراوات وقنابل الغاز، فصرن بحق عنوان البطولة ورمزها، في زمن عز فيه الرجال!
فما بال هؤلاء النسوة، كل فريق في واد، وكأنهن لا يعشن في بلد واحد!

استقطاب يعيشه المجتمع!

إلا أن للحكاية بعد آخر، فالظلم والانحلال موجودان منذ زمن، ويحدثان جهارا نهارا منذ زمن، لكن ما استوقفني هو حالة التزامن، فالمشهدان السابقان وقعا في عام واحد، وفي شهر واحد، وفي أسبوع واحد، وفي يوم واحد، مما يؤكد على وجود حالة استقطاب شديدة!

والمجتمع المصري مثل أي مجتمع، قابل للاستقطاب! والقابلية للاستقطاب polarizabilty ،كما تعلمنا في الفيزياء، هي خاصية جزيء أو ذرة لانزياح الشحنة السالبة والشحنة الموجبة عن بعضهما البعض، فيصبح الجزيء أو الذرة له قطبين.

وهذا الاستقطاب يحدث عند تتعرض المادة إلى مجال كهربائي خارجي، وهذا المجال الكهربي الصادم في حالة المجتمع المصري هو احتلال أجنبي مقنع، وانقلاب عسكري مروع، وغزو فكري، وانحلال خلقي، فصار القضاء يتاجر في الحشيش، وصار البزنس حكرا على الجيش، ورأينا انحلال الثقافة، وثقافة الانحلال، وفساد السياسة، وسياسة الفساد!

2- ثلاثة أنواع من الاستقطاب: أصابت جسد المجتمع وعقله وروحه!

أ- استقطاب الاقتصادي: في جسد المجتمع
ب- استقطاب السياسي: في عقل المجتمع
ج- استقطاب المجتمعي: في روح المجتمع

أ- الاستقطاب الاقتصادي: في جسد المجتمع

وهو يصيب “جسد” الإنسان في هذا المجتمع، فنجد أناسا يلبون احتياجات أجسادهم وأناس لا يستطيعون ذلك!

نجد الشحنة الموجبة في هذا الاستقطاب عبارة عن أناس يأكلون أفضل أكل، ويلبسون أفضل لبس، ويركبون أفضل مركبات، ويتزوجون الجميلات، وربما لهم علاقات خارج نطاق الزواج، وربما أيضا يجاهرون بذلك، ويفاخرون به كذلك، في الوقت الذي لا تجد فيه الشحنة السالبة ما يسدون به رمقهم، ولا يجدون منزلا يقيمون فيه باحترام، ولا وظيفة تكفل لهم حياة كريمة، وطبعا لا يمكنهم الزواج، رغم ما يعانونه من الفحش الإعلامي الضاغط والمكثف!

باختصار: الاستقطاب الاقتصادي يركز على “الجسد واحتياجاته”، ويدمر الفعل “يعيش” عند الإنسان، وهذا واقع منذ أواخر أيام مبارك!

ب- الاستقطاب السياسي: في عقل المجتمع

وهذا النوع من الاستقطاب يصيب “عقل” المجتمع، فيدمر فيه الفعل “يفكر”!

نجد هنا هذا المجتمع قد انقسم إلى شحنتين، شحنة موجية تفكر في قيم ثورية حالمة، كالحرية والعدالة، والالتزام الخلقي والديني، بينما الشحنة السالبة فيه تركز على السلطة والسطوة، والشهرة والشهوة، والنفاق السياسي والأخلاقي، ومعاداة الدين بدعوى محاربة التطرف والإرهاب.

هذا الاستقطاب واقع في المجتمع بفوز الرئيس مرسي بالرئاسة!

ج- الاستقطاب المجتمعي: في روح المجتمع

وهذا النوع من الاستقطاب يصيب “روح” المجتمع، ويدمر فيه الفعل “يشعر”.

نجد المجتمع مع هذا النوع من الاستقطاب قد تغير إدراكه، وأصيب في وعيه، فنجد شحنة موجبة تعتصم في رابعة، لا تشعر بحر الصيف ومر العطش وتعب النوم على الأرصفة، وتتجاهل تماما شعورا متناميا بالخطر الذي قد يصل حد القتل أو الاعتقال، في سبيل منع زيادة الاستقطاب، في مقابل شحنة سالبة تتجاهل البقية الباقية من القيم والمشاعر الإنسانية، والضوابط الأخلاقية، والقواعد الفكرية، وتصر على مصادمة ذلك كله، بالانقلاب على تلك المشاعر، لتؤيد انقلابا عسكريا، يضيف نوعا جديدا من الاستقطاب إلى تلك الأنواع السابقة!

هذا النوع من الاستقطاب وقع في الثالث من يوليو 2013!

المحصلة: استقطاب أخلاقي!

ورغم أن زوال الاستقطاب في الذرات سيؤدي إلى انقطاع التيار الكهربي فيها، ورغم أن زوال الاستقطاب في المجتمع سيؤدي إلى قطب واحد، عسكري غاشم، لا يقبل النقد ولا يحب الشريك، ولا يثمر ولا يغني من جوع، ولا يأتي ولم يأت بخير فقط، فقد هلل أنصار القطب السالب كي يزيح سريعا القطب المخالف، بالقوة المسلحة، والمذبحة والمجزرة، وغنوا له تسلم الأيادي، التي خربت الذرة والنواة، وقطعت التيار الكهربي الذي ولد النور الذي جاء مع الثورة!

هذا النوع من الاستقطاب وقع مع المذبحة، في الرابع عشر من أغسطس 2013، وما تلاها!

لقد بدا الاستقطاب الأخلاقي جليا في المشهدين سالفي الذكر في بداية هذا المقال. فمشهد مهرجان القاهرة كان يعبر عن شريحة من المجتمع، أصابها أنواع العفن طيلة عقود، في جسدها وعقلها وشعورها، فرأينا الاستقطاب الاقتصادي متمثلا في رفاهية لا يستحقوها، والاستقطاب السياسي متمثلاي في التفافهم حول سلطة مستبدة، والاستقطاب المجتمعي بانقلابهم على كل القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية!

في مقابل شريحة أخرى رأيناها أمام معتقل برج العرب، تحملت الظلم الاقتصادي والسياسي والمجتمعي طيلة عقود، رغبة في أن يزول هذا الاستقطاب أو يقل!

ولعل هذه هي المحاولة الأخيرة لإنقاذ هذا المجتمع، وإعادة اللحمة إليه، وإلا فإن مجتمعا بهذا الكم من الاستقطاب غير قادر على الحياة، وسيصبح معرضا للانهيار.

الخلاصة:

من المهم أن يدرك الناس أن انقطاع التيار سببه أن قطبا سالبا أراد أن يستحوذ على كافة النواة، وأن شريحة سالبة الأخلاق والفكر أرادت أن تهيمن على كافة المجتمع، وأن هذا لن يؤدي أبدا أو يقود إلى أي خير.

فمن قوانين الطبيعة والفيزياء أن يظل في المجتمع الموجب والسالب معا، وأن يظل الأمر بيد الناس، يختارون فيما بينهما، فيصيبون ويخطئون، لا أن يقضوا على حقهم في الاختيار بأيديهم، ويُقصون المخالفين لهم، ويشاهدون شريحة تتلذذ وتُفاخر، وشريحة تتعذب وتُهاجر، ويظنون أن ذلك قد يأتي بخير! ثم يسألون بعد ذلك كما سأل الشاويش في فيلم البريء لماذا لم ننتصر؟؟ وكيف ننتصر أو كيف نمضي بهذا الكم من الاستقطاب والانهيار! فأفيقوا!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *