بأموال السعودية، يصطف عبد الفتاح السيسي مع روسيا ضد السعودية.
تلك هي ملامح الصورة العبثية للمواقف السياسية، من بعيد، مع الإعلان عن مناوراتٍ بحريةٍ مشتركةٍ بين قوات روسية وأخرى مصرية في مياه المتوسط.
يتيه نظام عبد الفتاح السيسي فخراً بأنه صار يمتلك حاملتي طائرات بحريتين فرنسيتين، من نوع “ميسترال”، وتقول مصادر متنوعة إن السعودية كانت الممول الأكبر للصفقة، إذ بحسب ما نشره موقع تلفزيون”روسيا اليوم” في سبتمبر/ أيلول 2015 نقلا عن وكالة نوفوستي الروسية، والتي نقلت عن مصادر فرنسية، فإن” السعودية ستساعد مصر في شراء حاملتي الطائرات المروحية من طراز ميسترال اللتين صنعتا خصيصا لروسيا، قبل أن تجمّد باريس الصفقة مع موسكو”. ونقلت صحيفة Express عن مصدر مطلع في الحكومة الفرنسية تأكيده أن المساعدة السعودية “ستكون كبيرة”.
موقع” ديبكا” الإسرائيلي، المتخصص في الشؤون الأمنية والاستخباراتية، هو الآخر تحدّث عن تعهد السعودية والإمارات بتمويل صفقة حاملتي طائرات “الميسترال” المزمع شراؤهما من فرنسا لصالح البحرية المصرية.
إذن باختصار: السعودية تدفع، والفائدة تعود على خصومها الألداء في المعضلة السورية، إذ يبدو الآن بجلاء أن نظام عبد الفتاح السيسي يفضل موسكو على الرياض، ويتضح أن “مسافة السكة” إلى الحلف الروسي الإيراني، المرضي عنه إسرائيلياً، أقرب من المسافة بين سلطة الانقلاب ومنشئيها وداعميها الخليجيين، وفي المحصلة أنت أمام “نذالةٍ” متناهية من النظام الذي تلقى، يوم صباحية انقلابه على السلطة المنتخبة، خمسة مليارات دولار من العاهل السعودي الراحل “الأب الروحي والمادي للانقلاب” إلى جانب ثلاثة مليارات من الإمارات، ومثلها من الكويت.
كان ذلك بالتزامن مع تدخل إسرائيلي لدى الإدارة الأميركية، يحضّها على الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية لمصر، بالمخالفة للدستور الأميركي الذي يحظر تقديم مساعداتٍ للحكومات المنقلبة، فقد بثت وكالة الأنباء الفرنسية، في ذلك الوقت، خبراً بعنوان “إسرائيل تطالب واشنطن بمواصلة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر”. وفي تفاصيل الخبر أن “مسؤولين إسرائيليين ضغطوا على الولايات المتحدة، لعدم تجميد مساعداتها العسكرية المقدمة إلى مصر التي تصل إلى 1.3 مليار دولار أميركي سنوياً.
وفي تلك الأثناء، كان السيسي يقف مثل مطربٍ بائس في الملاهي، يجمع النقوط و”يحيي السعودية والأمم العربية”، ويجلس بين يدي لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، مقدّما الشكر والتقدير والاحترام والولاء “لجلالة الملك عبد الله كبير العرب ورجل العرب وحكيم العرب”. كان يقولها مبتهجا بسيل الأموال المنهمر، والذي هو “ليس 12 ولا 15 ولا 20 مليار دولار يا أستاذة لميس، أكثر من كده بكتير”.
ولم تكن مسألة الكرامة الوطنية، ولا السيادة، أو الريادة، في ذهن زعيم الانقلاب، المُهندٓس وراثياً، بل كان يمعن في إظهار الولاء والتبعية والانكفاء والانبطاح، وتكفي لقطات تسلقه الطائرة الملكية، منحنياً بين يدي الملك السعودي، مشهداً معبراً عن “سيكولوجية التسوّل” التي اعتمدها النظام، في علاقته بأهل المنح والساعات، بما تشمله من تصنّع العاهات، وادّعاء الإعاقة.
وكما قلت سابقاً، فإن السياسة الخارجية في عصر السيسي مؤسّسة على منطق الصفقة، لا فقه المبدأ. لذا، فهي تتسم، طوال الوقت، بالعشوائية والارتباك والتناقض، في ما يختص بالعلاقات الدولية والإقليمية، فمن تطبيلٍ وتهليلٍ للخليج السخي الذي يمطر حبات (مليارات) من دولارات العطايا والمنح، إلى شوفينيةٍ، تنطلق من نعرةٍ وطنية زائفة، تتحرّش بالخليج وتبتزّه، وتتوعده بالبطش.
هبط السيسي بمصر الكبيرة إلى شيء بحجم حبة الأرز، أقصد مصر النظام، لا مصر الأمة التي تعرف أشقاءها، ويعرفونها. وعلى ذلك ما تراه أمامك من غبار معارك “دونكيشوتية” هو بين أنظمةٍ، لا ناقة ولا جمل للشعوب فيها، أو هكذا ينبغي أن تكون.
وربما يفسّر هذا حالة الشجن التي اجتاحت عموم المصريين وهم يشاهدون فيديو “سائق التوك توك” الذي يذكّرهم بشيء غيبه عبد الفتاح السيسي، وأسقطه من حساباته، اسمه الكرامة الوطنية والإنسانية، معتمداً أسلوب مد اليد وتصعير الخد لمن يمنح، متقافزاً كالقرود خلف القروض، حتى إذا توقفت المنح، أو تباطأت، تحوّل إلى كائنٍ آخر، ينقلب على ذاته، وينسف قديمه، ويجترّ عباراتٍ مثيرة للسخرية عن الاستقلالية والكرامة والسيادة.
المصدر: العربي الجديد