ستظل الأخبار ترد من تركيا عما دار في محاولة الانقلاب الفاشلة، وستظل الأخبار تحمل معها رسائل، بل هي دروس وعبر مع كل خبر يطل علينا، وقد استعرضنا في المقال السابق الدروس المبدئية التي لقنها لنا المجتمع التركي عن فلسفة حياته وفهمه للديمقراطية، وشملت دروسا في الانتهازية الغربية، ودروسا للشعب المصري وأخرى للثورة المصرية.
وقدم لنا الإعلام عدة أمثلة عن الاصطفاف التركي، ووحدة الصف بكل مكوناته ضد هذا الانقلاب، وقد استوقفني من تلك الأمثلة ما عرضته قناة الجزيرة الفضائية حول سيدتين قد لا يكون في حياتهما أي تشابه.
وباختصار، “شريفة” و”سما” جارتان من مدينة اسطنبول، لم تجلسا في منزلهما أمام التلفزيون تتابعان أحداث الانقلاب وهما تتشاجران ما بين مؤيدة للانقلاب ورافضة له، وكذلك لم تجلسا في منزلهما أمام التلفزيون تتابعان تصدي المنظومة الديمقراطية للانقلاب العسكري ومحاولة الجيش العودة للحكم وإعدام الديمقراطية.
“شريفة بوز” إسلامية التوجه وترتدي الحجاب و”سما توتار” علمانية، مثلهما مثل الآلاف المؤلفة من الشعب التركي، خرجتا لتدافعا عن حياتيهما وحياة كل تركي، عن ديمقراطياتهما وعن حلم تركيا الذي تحطم عدة مرات على أيدي الجيش. فقادتا شاحنة نقل اعتلاها الشباب والشيوخ متوجهين جميعا إلى حيث الأحداث لمنع الانقلابيين من تحقيق هدفهم.
وعندما عُرفت القصة، سعى الإعلام للقائهما، تواجدت “سما” وغابت “شريفة”، عندها رفضت “سما” أن يتم اللقاء دون “شريفة”، فهي لن تسرق العمل المشترك وتنسبه لنفسها، ولم يتم اللقاء حتى جاءت “شريفة”، وخلال اللقاء استعرض الإعلام معهما ما صار في ذلك اليوم التاريخي، وحين وجه لهما السؤال: “لماذا تصرفتما كذلك؟ وهل خرجتما للدفاع عن الحزب الحاكم أو عن الرئيس؟”، كان ردهما في غاية الوضوح: “لنختلف كما نشاء في السياسة، ولكن لا بد أن نتوحد أمام الدبابات، كن علمانيا، كن إسلاميا، كن ما شئت، ولكنك أولا وأخيرا تركي”.
“شريفة وسما” ليستا حالة خاصة، بل هما ظاهرة، طاقة كامنة أخرجتها محاولة الانقلاب، طاقة نتجت عن ممارسة الديمقراطية والإحساس بها، هذه الطاقة هي الدافع لنا كمصريين للدفاع عن ديمقراطيتنا المسلوبة التي اغتصبها جيش ضل الطريق، ولم يجد “شريفة” أو “سما” المصريتين لتقفا في وجهه؛ رافضتين الاستسلام لسموم الانقلاب الذي بثها في عقول الناس.
رجعت لأحداث الانقلاب في مصر بحثا عن “شريفة وسما” المصريتين فلم أجدهما، وجدت فقط انقلابا عشعش على أرض مصر وفي عقول الكثيرين.
ولقد عقدنا العزم ألا نتوقف عن البحث عنهما حتى نجدهما، ونحن نعلم جيدا أن “شريفة وسما” المصريتين لن تخرجا للنور حتى ينكسر الانقلاب وتنتفض عقول المصريين، وحينها سنجدهما بإذن الله.