كتب محمد صلاح: يتصارع رموز “الإخوان المسلمين” الآن داخل مصر وخارجها على المواقع القيادية فيالجماعة، بينما خلصت مراجعة أجرتها الحكومة البريطانية ونشرت نتائجها أمس إلى أن الانتماء إلى الجماعة أو الارتباط بها “ينبغي اعتباره مؤشرا محتملا على التطرف”.
صحيح أن “الإخوان” سارعوا إلى الرد على التقرير البريطاني، وانتقدوه، لكن الرد في حد ذاته دليل على حجم الهوة التي تفصل “الإخوان” عن الواقع على الأرض، وأكثر ما يلفت الانتباه في شأن الأزمة التي دخلت فيها الجماعة أنه لم يقر أحد من أطراف الأزمة بأخطاء وقع فيها التنظيم أو يدعو الأطراف الأخرى إلى الاعتراف بها أو الاعتذار عنها.
والغريب أن الخلافات انفجرت بين قادة وعناصر الجماعة داخل وخارج مصر؛ بسبب الصراع على تولي المهام القيادية في المرحلة المقبلة، من دون تقويم ما جرى، والبحث في الأسباب التي دفعت الناس إلى الانصراف عن دعم الجماعة ومناصرتها.
المعركة على المناصب في “الإخوان” تدور الآن على رغم حالة من العداء بين الشعب المصري والجماعة، وتغيرات طرأت في مواقف جهات ودول تجاه الجماعة كما حال التقرير البريطاني الأخير.
قد يرى البعض داخل جماعة “الإخوان” أن الإقرار بالأخطاء يصب في مصلحة نظام الحكم الحالي في مصر، وسيظهر الجماعة وكأنها فشلت في التعامل مع ما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 والتداعيات التي حدثت بعده، أو يرسخ الاعتقاد بفشل تجربة حكم الجماعة لمصر، لكن الحقيقة أن “الإخوان” الذين كانوا في ظل نظام حسني مبارك ينالون تأييدا من قطاعات واسعة من الشعب المصري أصبحوا في مرمى الشعب نفسه بغض النظر عن تغير النظام.
هذه ليست الأزمة الأولى التي تواجهها الجماعة منذ تأسيسها عام 1928، لكن المؤكد أنها أخطرها، ليس لأن الصراع بين رموز الخارج وآخرين في الداخل، فعلى مدى التاريخ تكرر الأمر، ونجح قادة الداخل في كل مرة في حسم كل صراع لصالحهم، لكن “إخوان” اليوم غير “إخوان” الأمس؛ فالجماعة خاضت تجربة حكم مصر على عكس كل أزمة سابقة كانت الجماعة وقادتها يلعبون دائما، في سبيل حل معضلاتهم، على وتر الضربات التي يتعرضون لها من نظم الحكم، ومطاردة السلطة لعناصرهم وقادتهم، فتأتي الدعوة إلى ضرورة الالتحام ومواجهة الظلم الخارجي، لتغطي على أسباب أي خلاف وتداعيات كل صراع.
تقرأ بيانات وأحاديث المتصارعين داخل “الإخوان” الآن، فتستغرب حديثهم عن الثورة الموعودة وحلم العودة مجددا إلى السلطة، وتتأكد أن المتصارعين في واد والحقائق على الأرض في واد آخر. حتى إن بعض الذين طرحوا مبادرات وحلولا استخدموا وهم الثورة المنتظرة سبيلا لدفع المتصارعين إلى تقديم بعض التنازلات!
أزمة “الإخوان” الحقيقية تكمن في ابتعاد الجماعة عن الشارع، وعدائها مع المجتمع، وثأرها مع السيسي، وتحالفها مع دول أخرى لها أجندات عدائية ضد مصر، وعناد كل الأطراف المتصارعة في الاعتراف بأخطاء فادحة وقعت فيها الجماعة بعد 25 يناير، وأفضت إلى الحالة التي صارت عليها “الإخوان” الآن، ويخطئ من يتصور أن انتصار جناح على آخر أو حتى الوصول إلى قواسم مشتركة بين المختلفين سينهي الأزمة، أو يجعل الجماعة تستعيد قدرتها على إقناع الناس والتأثير عليهم وتحريكهم إذا لزم الأمر.
فعلى مدى التاريخ ظلت الجماعة تتحالف مع الأنظمة وتنقلب عليها، تهادن السلطة ثم تعاني من سطوتها، تتعاطى مع ظروف ثم تستغلها لتتوسع وتنتشر وتؤثر أكثر في المجتمع. لكن “الإخوان” حكموا مصر، وسعوا إلى “أخونتها”، ففشلوا، ويواجهون معضلة مع مؤسسات الدولة التي عصت عليهم، ودخلوا في مواجهة مع الشعب، انتهت برحيلهم عن الحكم.
كل المؤشرات تؤكد أن عودة “الإخوان” إلى واجهة الصورة كفصيل سياسي مستبعدة، واستمرار الجماعة في السير في الطريق نفسه الذي اختارته لنفسها بعد رحيلها عن حكم مصر ينذر بأزمات أخطر، فالدولة في مصر تسترد عافيتها، والمجتمع الدولي يتعامل مع الأمر الو