بعد تمنع ومماطلة وتأجيل قرر الانقلابي “عبد الفتاح السيسي” إجراء انتخابات نيابية لاختيار أول مجلس نواب بعد انقلاب 3 يوليو.
لم نخطئ في توقعاتنا عندما أكدنا منذ اليوم الأول، أن من جاء لسحق الديمقراطية وتقويض كل مكتسبات ثورة 25 يناير، واختطاف المنتخبين من رئيس ونواب، لن يقدم على أي استحقاق ديمقراطي حقيقي لاستعادة المؤسسات المنتخبة، اللهم إلا إذا كانت استفتاءات شكلية وانتخابات مزيفة معلبة بالكامل بخاتم الأجهزة الأمنية كما نرى الآن.
تجرى انتخابات مجلس النواب اليوم في إطار قوانين فاقدة للشرعية مفصلة بشكل كامل لإنتاج برلمان السيسي الذي تشرف أجهزة الأمن على كل تفاصيل تشكيله وانتخابه، لتتحول العملية لأكبر مهزلة انتخابية تشهدها مصر في تاريخها، بل هي الاسوأ من الاستفتاء المزور على التعديلات التي أحدثها في الدستور الشرعي، وكذلك انتخابات الرئاسة التي اضطروا لتمديدها ليوم ثالث ليتمكنوا من تزويرها لصالح قائد الانقلاب، بعد أن لقنهم الشعب المصري درساً قاسياً وقاطع انتخاباتهم الفاقدة للشرعية.
يضطر السيسي لإجراء انتخابات صورية لاستيفاء الجانب الشكلي لحكمه الفاشي العسكري بعد أن عمد لتقطيع أوصال القوانين المهمة في شتى مناحي الحياة في مصادرة على حق أي برلمان قادم، وإعادة تفصيل كل القوانين المنظمة للانتخابات معتمداً طريقة انتخابية شاذة غير مسبوقة بعد أن ضخم أعداد البرلمان لـ 568 عضواً سيضاف إليهم 5% يعينهم السيسي نفسه.
ولن يكتفي السيسي بالعصف بالقوانين، بل أعلن السيسي مقدماً انقلابه على الدستور، الذي عمله بنفسه بمعرفة لجنة الخمسين التي قام بتعيينها، وهو ينقلب الآن عليها مرة أخرى حيث يستهدف السفاح الفاشي باب نظام الحكم في الدستور الذي ظل تقريباً بدون تعديل كما قررته الجمعية التأسيسية المنتخبة التي كتبت دستور 2012 عندما منحت البرلمان سلطات كبيرة في تشكيل الحكومة، ومنعت الرئيس من إقالة الحكومة بدون موافقة البرلمان، ومنحت الحكومة سلطات واسعة في إدارة البلاد لإيجاد التوازن المطلوب بين سلطات الرئيس والبرلمان المنتخب، وهو ما يغضب السيسي، وسلط من يتبنى من الآن أن من أوائل أهداف البرلمان القادم تغيير الدستور، وقد صرح السيسي بنفسه للمرة الأولى بشكل علني قبل يومين في جامعة قناة السويس بقوله: (أن الدستور منح بنوايا حسنة صلاحيات واسعة للبرلمان، والبلاد لا يمكن أن تدار بالنوايا الحسنة فقط)!!!! وهي إشارة واضحة لرفضه للدستور الذي أقسم على احترامه.
الديكتاتور الفاشي يريد كل الصلاحيات الدستورية بيده لتكريس الفاشية والديكتاتورية العسكرية، على خلاف ما أراده المشرع الدستوري في 2012 عندما أراد تحقيق آمال ثوار يناير في إقامة نظام ديمقراطي حقيقي ومنح نواب الشعب كامل السلطة والمسؤولية.
واليوم تواجه كل الأحزاب التي ركبت موجة 30 يونيه ساعة الحقيقة وقد صدعتنا من قبل بمقولة (الدستور أولاً) وقد فعلوا ما أرادوا، فإذا بهذا الدستور الذي اغتصبوا العبث به يتحول لأوراق “تواليت”، فقد ظنوا أنهم بالانقلاب على الشرعية والعبث بالدستور وإقصاء الأغلبية المنتخبة بالدبابة، سيحققون الديمقراطية ويصلون للسلطة بلا منازع، حتى لو كان على جماجم الشهداء الذين رفضوا الفاشية والانقلاب، فإذا بهم اليوم يُهَمَّشون ويتم تهديدهم وتخويفهم، وتتلاعب أجهزة المخابرات بأحزابهم تمزيقاً وتشتيتاً، فمنهم من ناله بطش العسكر، ومنهم من آثر السلامة فاعتزل في بيته غير مأسوف عليه، ومنهم من يتأهب الآن ليحصل على أكبر صفعة لم يتخيلها من قبل عندما يتم تزوير هذه الانتخابات لصالح مجموعات معروفة من فلول نظام مبارك وجنرالات المخابرات، ورجال الأعمال الفسدة الذين يمولون هذا الإفساد السياسي لتكريس الفاشية وحكم الفرد.
لقد أكد السيسي الفاشي دائماً أنه يحتقر الدستور ويحتقر المدنيين والسياسة كما يحتقر الحقوق والحريات، وقد وضع كل ذلك تحت بيادته منذ اليوم الأول لحكمه، وحتى الأحكام الشكلية كما نصت المادة 145 من دستور العسكر على أنه يتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب/ وعند تركه وفي نهاية كل عام وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية. ولكن السيسي حتى اليوم لم يقدم أي إقرار عن ذمته المالية التي نعلم أنها خربة.
الانقلاب العسكري الفاشي، كما أكدنا دائماً، يقود مصر من فشل إلى فشل في شتى المجالات، وكل مشاريعهم الكبرى عبارة عن وهم وفشل في ظل غياب أية دراسات جدوى اقتصادية أو بيئية أو أمنية أو اجتماعية، ولا تبقى إلا الحقيقة الجلية؛ وهي تكريس القمع وإرهاب الدولة، والفشل الاقتصادي الذي أحال حياة القطاع الأوسع من مواطنينا إلى البؤس والفقر، وكل من راهن على الفاشية سيكتوي بنارها اليوم أو غداً.
وسيبقى الثوار الأحرار الذين لم يستسلموا للفاشية والديكتاتورية العسكرية مرفوعي الرأس؛ حتى وهم يقدمون الشهداء ويبذلون التضحيات من أجل إنقاذ مصر، ومن أجل استعادة المسار الديمقراطي واستعادة الحقوق والحريات، التي تغولت عليها الفاشية الإجرامية التي لم تتورع عن سفك دماء الآلاف من أبناء مصر وتكريس الانقسام والطائفية.
ولذلك يثمن المجلس الثوري المصري كل الدعوات التي تدعو الشعب المصري لليقظة والاستمرار في المقاومة والعصيان المدني ومن ذلك القيام بواجبه البطولي بتجاهل ومقاطعة انتخاباتهم المزورة شكلاً وموضوعاً.
هذا الشعب العظيم الذي شارك في انتخاب أول برلمان بعد ثورة يناير، حيث نزل للجان الانتخابات 36 مليون مواطن، اصطفوا في طوابير طويلة غير مسبوقة في تاريخ مصر، عندما أدركوا يومها أن صوتهم سيحترم وأن إرادتهم ستنفذ في إطار عملية سياسية عادلة وغير مزورة قوانينها ليست مفصلة أو ملفقة.
هو نفس الشعب العظيم الذي يدرك اليوم أن هذه القوانين باطلة وأن العملية برمتها فاسدة وأن المجلس المرتقب باطل، ولن يعدو كونه “نادٍ للفسدة مصاصي دماء الشعب”، وأنه أكثر بطلاناً من مجلس مبارك في 2010.
تحية لصمود شعبنا العظيم ولثباته على مطالبه في العيش والحرية والكرامة الإنسانية، حتى يتحقق النصر لهذه الثورة المباركة التي ارتوت بدماء الآلاف من أبناء مصر، فعاشت وستعيش حتى تحقق أهدافها أو نموت على ما مات عليه الأبطال الشهداء.
المجلس الثوري المصري