صناع القرار في الغرب ليسوا على رأي وموقف واحد من الأزمة المصرية
الانقلاب يهدد مصالح مصر وأمنها القومي بعدما أشعل الفوضى في سيناء
تحالف دعم الشرعية هو قلب الحراك الوطني.. والانسحابات منه غير مؤثرة
لم يحدث أي تواصل بيننا وسلطة الانقلاب على الإطلاق
القضاء المصري إنهار تماماً وفقد مصداقيته بشكل كامل
كشفت رئيسة المجلس الثوري المصري، الدكتورة مها عزام، أنهم يجرون مشاورات بين قوى المعارضة، وأنهم سيساهمون مع القوى الوطنية والشبابية، للخروج بحلول عملية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وللتوافق حول تصور سياسي كامل لمرحلة ما بعد سقوط الانقلاب.
وأضافت -في حوار خاص لـ”عربي 21″- أن الأزمة السياسية الحالية لا حل لها، حتى ينسحب الجيش من الساحة السياسة، وتتفق القوى السياسية جميعها على العمل من أجل وحدة وطنية وتتقبل الديمقراطية كوسيلة للتغيير السياسي، لافتة إلى أن النظام العسكري مثل الأنظمة الديكتاتورية كلها، لا يمكن أن يكون حليفاً إقليمياً حتى لمؤيديه، لأنه يتصرف بتهور لحماية مصالحه الشخصية، ولأنه غير مقيد بأي محاسبة لأي مؤسسة مستقلة.
وأكدت عزام أن صناع القرار في الغرب ليسوا على رأي وموقف واحد من الأزمة المصرية، فهناك من يشك في إمكانية النظام في التحكم والسيطرة على الأوضاع، ويعتقد أن انتهاكات حقوق الإنسان من النظام أصبحت مصدر حرج، مضيفة أنهم كلما أطالوا سندهم للنظام، هددوا مصالحهم وعلاقاتهم مع المعارضة والمصريين.
وأشارت إلى أن النظام العسكري يحاول عرقلة عملهم وتحركهم، فعقب تواصلهم على مستوى عال مع حكومات في أوروبا، حاول أن يُحد من مقدرة بعض أعضاء المجلس الرموز من السفر بمحاولة وضع أسمائهم على قائمة الإنتربول، مضيفة: “لكن استمر أعضاؤنا بالتواصل مع الحكومات العالمية لبث رسالتنا، وحققنا أبعاداً دبلوماسية ملموسة”.
واستطردت عزام: “سنعمل على توسعة شبكة تواصلنا لتتعدى صناع القرار والجالية المصرية في الخارج، حتى نتواصل مع المجتمع المدني، مع الجاليات الإسلامية، مع حركات المعارضة الإقليمية. علينا أن نعمل حتى تصبح قضيتنا قضية دولية ضد الديكتاتورية وعسكرة الدولة”.
تالياً نص الحوار:
كيف تنظرون لحادث “شارلي إيبدو” وانعكاساته على الشرق الأوسط والجاليات المسلمة في الغرب بشكل عام؟
مثل هذه الحوادث تُستخدم لتبرير مواقف وأعمال من يقول إنهم في حرب مع التطرّف والإرهاب في الشرق الأوسط؛ من أجل إغلاق المساحة على أي حرية في التعبير السياسي الحر. وحادث القتل الذي وقع في باريس ستستغله ديكتاتوريات المنطقة وإسرائيل ذريعةً لحجتهم للغرب بأنهم إن لم يلقوا مؤازرة ودعماً غير مشروط ستكرر مثل هذه الأفعال.
وفي واقع الأمر إن التأييد للأنظمة الطاغية التي تغلق كل قناة للحرية وتخنق الحريات، هو الذي يشعل الغضب وقد يشجع على العنف.
أما عن تأثيره على الجاليات المسلمة، فهو مقلق للغاية؛ فالمسلمون يحملون مسؤولية جماعية لما يرتكبه بعض الأفراد. هناك البعض في المجتمعات الغربية ممن يحاولون وقف مثل هذا التحميل، لعلمهم أنه يشجع على العنصرية والتوتر الاجتماعي. في النهاية المسلمون ليسوا فقط ضحية الجرائم التي ترتكب ضدهم في العالم، لكنهم أيضاً يتعرضون للمساءلة عن جرائم ارتكبها الآخرون.
ما قراءتكم لتطورات المشهد المصري بشكل عام؟
هناك عدة أبعاد أساسية ومتشابكة للتطورات السياسية الأخيرة، فمصر مازالت تشهد إغلاق جميع قنوات التعبير السياسي الحر بما فيها حق التجمع. فمنذ الانقلاب هناك درجة كبيرة من الاستبداد أعادت أسوأ ما عانته مصر خلال عقود طويلة من تجربة الديكتاتورية. كما في الأنظمة الديكتاتورية كلها، هناك محاولة للسيطرة على السياسة ولتخويف الشعب من أجل السيطرة على الساحة السياسية، لكن هذه المحاولة يتصدى لها الذين يستمرون في المقاومة.
ومن الناحية الاقتصادية، النظام لم ولن يستطيع تلبية احتياجات المصريين، خاصة في ظل زيادة العجز والاعتماد على المعونات الخليجية. وحتى لو رأينا بعض النمو، فالنظام يحتاج إلى آلية الفساد الاقتصادي لرشوة مؤيديه والمنتفعين، والفساد يمنع من النمو الاقتصادي المتين.
ومن الناحية الأمنية، النظام يهدد مصالح مصر من خلال الاستقطاب السياسي والمجتمعي الذي تسبب فيه، ويهدد الأمن القومي من خلال الفوضى التي أشعلها في سيناء وتهجير أهلنا هناك.
أي إن هذا النظام العسكري لا يعتمد عليه في اتخاذ القرارات العسكرية الصحيحة. وكما رأينا في التعدي على ليبيا المجاورة، أنه أيضاً نظام مقامر. وهذا النظام مثل الأنظمة الديكتاتورية كلها لا يمكن أن يكون حليفاً إقليمياً حتى لمؤيديه؛ لأنه يتصرف بتهور لحماية مصالحه الشخصية، ولأنه غير مقيد بأي محاسبة لأي مؤسسة مستقلة. وهذه تطورات ساهمت في إضعاف مصر كدولة وفي معاناة شعبها.
ما نواجهه هو ديكتاتور غير كفؤ، منعدم الخبرة السياسية، يستخدم معالم الفساد كلها؛ في الجهاز الأمني، والإعلام، والقضاء، لمحاولة الحفاظ على مقعده.
وكيف تنظرون إلى حالة الاستقطاب المجتمعي؟
الاستقطاب في المجتمع المصري صنعه النظام وشجع عليه ونماه من خلال مؤسساته وممارساته وشجع الفرقة والكراهية منذ اليوم الأول للانقلاب. بالفعل هناك استقطاب، لكن هناك أيضاً تباعد بين النظام والشعب الذي يرفض قبول الأكاذيب التي يسوقها له إعلام النظام، ويرفض الفساد الذي يقوض أسس المجتمع والدولة إلى درجة تهدد مصالح مصر وسمعتها. ولكل هذه الأسباب أرى أن نظام السيسي أصبح خطراً حادقاً على مصر، وعائقاً متزايداً على حلفائه.
هل فشلتم في التصدي للنظام خاصة أن “خارطة الطريق” أمامها شهور قليلة وتكتمل بمجرد انتخاب البرلمان المقبل؟
بل على العكس، الواضح أن ما تُسمى بـ”خارطة الطريق” ما هي إلا وسيلة لإضفاء شرعية على انقلاب عسكري من خلال مجموعة من الخطى التجميلية الزائفة. ونرى أن المقاومة ضد النظام تزداد، حتى من تلك الشريحة التي قبلت بالانقلاب في الآونة الأولى.
والقوى المناهضة للانقلاب ما زالت مستمرة بالمقاومة ولم تتوقف يوماً ما. ما هو مُلفت للنظر أن ما نراه في مصر هو استمرار للمقاومة السلمية بالرغم من انتهاكات حقوق الإنسان المنتظمة والممنهجة من نظام الانقلاب. والحراك المناهض للانقلاب نجح في عدم قبول النظام العسكري كأمر واقع وبعث رسالة قوية للعالم أن الثورة ستستمر، وهذا في حد ذاته نجاح ملموس في وجه دولة قمعية.
برأيك، ما أسباب بقاء وقوة نظام “السيسي” حتى الآن؟
نظام السيسي حقق البقاء حتى الآن، لكنه ليس بقوي. أما عن أسباب تماسكه، فلأنه نظام عسكري يحتكر استخدام أدوات القوة من خلال الجيش والشرطة، ومثل هذه الأنظمة تعتمد على استخدام “الإرهاب” ضد مواطنيها للبقاء، لكنها في النهاية تسقط، وكثيراً ما يكون انكسارها مفاجئاً.
والسبب الآخر في بقاء النظام هو الدعم المادي من بعض الدول الخليجية، وهذا الدعم لا يمكن أن يستمر على هذا المستوى للأبد، خاصة أن هناك إدراكاً متزايداً بأن دعم مثل هذا النظام ليس في المصلحة من ناحية الاستقرار والازدهار في المنطقة، فما دامت مصر فقيرة ومضطربة فالمنطقة كلها عليها أن تواجه أبعاد ما يحدث في مصر.
كيف تنظرون لصورة القضاء المصري حالياً؟
نرى أن هناك انهياراً تاماً للقضاء المصري، نظراً لاستخدامه كأحد أذرع النظام القمعي، فقد رأينا من خلال التسريبات الأخيرة كيف أن القضاء كان عميلاً للذين اختلقوا الاتهامات المفبركة وكيف اصطنع الأدلة الزائفة. في حين أن القضاء كان يجب أن يكون عموداً لنزاهة الدولة وحارس حقوق الشعب، لكنه فقد مصداقيته بشكل كامل، نتيجة ممارسات نظام يحاول اختلاق شرعية لا وجود لها في الواقع.
كيف ترون مستقبل “الإخوان” بعد الضربات العنيفة التي تعرضوا لها في ظل المراجعات التي تقول إنها تجريها؟
الإخوان واجهوا أشرس أنواع القمع من نظام السيسي، لكنهم بقوا وصمدوا، وهم بتضحياتهم سمحوا لمقاومة الشعب المصري ضد الاستبداد أن تستمر، والتغييرات التي يقوم بها الإخوان والتجارب على الأرض تنشئ حركة شبابية تصور بطريقة واضحة معالم الثورة، وهذا يعني أنهم ولابد أن يكونوا جزءاً من مستقبل مصر السياسي. وعلينا أن نتذكر أنه حين تقاوم حركة الإخوان قمع النظام فهي تقاوم من أجلنا جميعاً.
كيف تتفاعلون مع المجتمع الدولي؟
من أهم أدوارنا كمقاومة في الخارج هو كشف حقيقة النظام الانقلابي للحكومات والبرلمانات والمجتمع المدني. وهناك من يقول إن الغرب يساند النظام ولن يستمع لنا، والحقيقة هي أن صناع القرار في الغرب ليسوا على رأي وموقف واحد، فهناك من بينهم من يشك في إمكانية النظام في التحكم والسيطرة على الأوضاع ويعتقد أن انتهاكات حقوق الإنسان من النظام أصبحت مصدر حرج.
ونحن نؤمن أن علينا أن نستمر بالتواصل مع المجتمع الدولي والضغط عليه أيضاً، باعثين رسالة واضحة ومدوية مفادها أن شعبنا لن يرضى بالخنوع لطاغية، وأنه تم تحطيم حاجز الخوف، وأننا لن نكف عن المقاومة حتى نسقط هذا النظام.
رسالتنا لهم هي أنهم كلما أطالوا سندهم للنظام هددوا مصالحهم وعلاقاتهم معنا. ونحن لا نريد العداء مع أي دولة، لكن هدفنا تحقيق الحقوق والحريات للشعب المصري التي يتمتع بها أي شعب حر.
والرسالة الأخرى للمجتمع الدولي هي أن الديكتاتورية لن تضمن الاستقرار والأمن، بل على العكس تزيد الكراهية والتطرف.
ما هي ابرز العقبات التي تواجه المجلس الثوري؟
بالطبع النظام يتخوف من عمل المجلس كجزء من خوفه من عمل المقاومة، ولذلك يحاول عرقلة عملنا. مثلاً بعد تواصل على مستوى عال مع حكومات في أوروبا، حاول النظام أن يحد من مقدرة بعض أعضاء المجلس الرموز من السفر بمحاولة وضع أسمائهم على قائمة الإنتربول.
والانقلاب بحكم أنه تلميذ النظام الصهيوني يستخدم الأساليب نفسها التي رأيناها في فلسطين، في محاولاته اصطناع الإحباط واليأس بين القوى المقاومة، لكن على الرغم من كل ذلك فبفضل الله علينا استمر أعضاؤنا بالتواصل مع الحكومات العالمية؛ لبث رسالتنا التي بيناها وحققنا أبعاداً دبلوماسية ملموسة، رغم العقبات التي وضعها النظام، وكان على سبيل المثال مقابلتنا مع الـ 12 بعثة رسمية بما فيها بعثات أهم الدول الغربية في جينيف، خلال مراجعة حقوق الإنسان في مصر بصفتنا المجلس الثوري المصري. ونحن نعمل ونحث على التقارب بين المناهضين للانقلاب جميعهم.
ما هي خطة عمل المجلس الثوري مستقبلاً والخطوات التي يعتزم اتخاذها خلال الفترة المقبلة، أم أن هناك غياباً للرؤية؟
للمجلس الثوري رؤية واضحة، وهذه نبذة من استراتيجيتنا:
1- المجلس الثوري يمد يديه لكل قوى المعارضة، ونحن في مشاورات نأمل أن تنتج منبراً مشتركاً، فمن أهم مبادئ المجلس أن نستمر في السعي إلى التنسيق مع المعارضة كلها، لكن علينا أيضاً أن نكون واضحين في منهج المجلس في إيماننا بالشرعية والقصاص العادل للشهداء.
2- نؤكد الوحدة الوطنية والأمن الوطني والأمن لكل مواطن، حيث نؤمن بمبادئ الوحدة الوطنية والمساواة لكل المواطنين، وسيادة القانون في ظل دولة مدنية تحفظ الحريات، تحارب الفساد، وتبني مؤسسات مهنية خاضعة للمحاسبة، وحكومة تعكس إرادة الشعب وتعطي الكادحين العدالة الاجتماعية، ولكل الشعب حقهم في الكرامة الإنسانية.
3- سيعمل المجلس الثوري على أن يجمّع ولا يفرق، فلا نريد إدانة أحد، لكن علينا الآن أن نجدد النداء لجميع المواطنين بأن يثبتوا وطنيتهم. ولا نطلب اعتذاراً من أحد، لكننا نطلب من الجميع أن يلبوا نداء يجدد 25 يناير “الشعب يريد إسقاط النظام”.
4- سنكثف العمل لإظهار حق قضيتنا في إطار المجتمع الدولي. علينا أن نوضح دولياً أننا لا نريد معاداة أية دولة، لكننا نقاوم لتحرير شعبنا وتحقيق حقوقهم.
5- سنستمر بالتوضيح لصناع القرار في الغرب بأن الأمن الإقليمي ومصالحهم لا تتحقق مع النظام الانقلابي، وأن الديموقراطية هي الطريق الوحيد للاستقرار في المنطقة.
6- سنعمل على توسعة شبكة تواصلنا لتتعدى صناع القرار والجالية المصرية في الخارج، حتى نتواصل مع المجتمع المدني، ومع الجاليات الإسلامية، ومع حركات المعارضة الإقليمية. علينا أن نعمل حتى تصبح قضيتنا قضية دولية ضد الديكتاتورية وعسكرة الدولة.
7- سنساهم مع القوى الوطنية والشبابية للخروج بحلول عملية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه مصر، وننتج تصوراً سياسياً كاملاً لمرحلة ما بعد سقوط الانقلاب.
كيف تقيمون أداء تحالف دعم الشرعية بعد الانسحابات المتوالية منه؟
التحالف هو قلب الحراك الوطني، وقد اتضج للجميع أن تأثير الانسحابات على قوة وحشد وموقف التحالف يكاد يكون معدوماً.
وماذا عن رؤيتكم وموقفكم من الانتخابات البرلمانية التي ستجري قريباً؟
أي انتخابات برلمانية تعقد في أي قطر في العالم لا تؤخذ بجدية إن لم تعقد في مناخ سياسي يسمح بحرية التجمع والتعبير. في مصر ستعقد انتخابات في مناخ من الترهيب والتخويف: في الوقت الذي تكتظ السجون بأكثر من 40 ألف معتقل سياسي، في بلد يتحكم فيه نظام عسكري بالإعلام، وفي ظل قوانين تحد من حق التظاهر والتجمع.
إن الانتخابات البرلمانية في مصر لن تكون أكثر من دمغة تصديق لنظام غير شرعي؛ لذلك علينا مقاطعتها. ‘ن الذين يقبلون أو قد يشاركون في هذه الانتخابات سواء في داخل مصر أو خارجها، إنما يتبعون محاولة يائسة لتجميل نظام سياسي قمعي.
هناك من يطالب بعودة مشروطة للإخوان وبنسبة ضئيلة، وهناك من يرفض عودتها أصلاً.. فكيف ترين عودة الإخوان للمشهد؟
الإخوان جزء أساسي من المشهد وما يمنعهم منه هو غياب الديموقراطية. أنا لا أؤمن بأي تقييد على أي حركة سياسية من المشاركة الكاملة في السياسة، وفي النهاية الخيار هو خيار الشعب المصري عبر انتخابات حرة ونزيهة. لماذا نطلب ممن التزم بقواعد الديموقراطية وكانوا خيار الشعب في خمس انتخابات مختلفة أن يستبعدوا من حقهم في المشاركة؟ إن استبعادهم أو تقييد مشاركتهم لا يتعدى كونه تحديداً لاختيارات الناخبين المصريين.
كيف تقيمين مواقف الحركات الثورية مثل 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين واشتراطها العودة لما قبل 25 يناير، بما يعني التنازل عن مرسي ودستور 2012 ومجلسي الشعب والشورى السابقين؟
هذه الآراء وهذه المواقف مخالفة لرؤية الأغلبية العظمى من الثوار الذين يخرجون ويتصدون كل يوم للنظام العسكري. إن مثل هذا الموقف ما هو إلا نفي للإرادة الشعبية التي تجلت من خلال الانتخابات قبل الانقلاب، وعلينا أن نتفهم أنها رؤية الأقلية ولهم الحق في إبداء رأيهم، ولكن ليس لهم أي حق في فرض رأيهم على أغلبية المقاومة.
في ظل إحباط ويأس البعض وقبول الكثيرين بالأمر الواقع والإفراج عن رموز نظام مبارك.. هل يمكن القول إن النظام نجح في القضاء على ثورة يناير؟
الثورات لا تحدث في دفعة واحدة. ما رأيناه في 25 يناير كان الموجة الأولى. إن المقاومة لم تتوقف وعلى من يشعر بالإحباط أن يذكر نفسه أنه لم تكسب أي أمة بالعالم حريتها بسهولة. لا يمكن القضاء على 25 يناير لأن طموحات الثورة مرتبطة بمطالب واحتياجات جذرية غير قابلة للتلاشي.
نرى تاريخياً أنه متى انكسر حائط الخوف الأول فإن سقوط الطغيان لم يعد أكثر من مسألة وقت. إن نظام السيسي من يومه الأول يحاول التخويف بالقتل والاعتقالات العشوائية والتعذيب والاغتصاب والاختطاف، لكن كل هذه الأساليب تنمي الغضب والمقاومة.
ما تقييمكم لمواقف المجتمع الدولي وتحديداً أمريكا والاتحاد الأوروبي؟ وهل يمكن تغيير موقفهم مستقبلاً؟
بشكل عام موقف المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا سلبي. ولكن، علينا أن نتفهم الوضع بدقة وأن نفرق بين مواقف الدول الرسمية، وبين المواقف في داخل حكومات هذه الدول بالنسبة لمستوى التأييد للنظام الانقلابي. وهناك مجموعات من صناع القرار في هذه الدول مستاءة لمستوى تأييد حكوماتهم لنظام السيسي.
من المهم أن نتفهم هذا الأمر جيداً، لأن هناك مساحة تتيح لنا الضغط لإعادة النظر في السياسة في بعض المجالات. علاوة على ذلك أن المجتمع الدولي مكون من أعضاء برلمان ومنظمات غير حكومية ومجتمع مدني تشعر بالاستياء من مواقف حكوماتهم الرسمية وتتزايد في مناهضتها لنظام السيسي.
وحين يزداد هذا الاستياء تتاح لنا الفرصة في أن نزيد الضغط على الحكومات بالنسبة لموقفهم تجاه مصر. ولكن على الولايات المتحدة وحلفائها أن تصدر بيانات واضحة وتتخذ مواقف قوية ضد النظام، وإلا فتحوا الباب لتزايد عداوة الشعب المصري لهم يوماً بعد يوم، وهذا أمر لا يوده أي منا.
وهل تعتقدون أن هناك خلافات بين حلفاء الانقلاب؟
ما يمكن أن نقوله هو أن حلفاء الانقلاب في مصر تورطوا مع نظام قمعي متزايد في قمعه مما يزيد من عدم الاستقرار، وهذا قد يجعله عبئاً لا سنداً لحلفائه الخارجيين، ولابد أن البعض من هؤلاء بدأ يتخوف من عواقب أعمال السيسي، ولذلك قد يبدأ في مراجعة حساباته.
كيف انعكس التحالف الدولي ضد “داعش” على الأزمة المصرية؟
أيدت أزمة “داعش” فكرة أن نظام السيسي حليف جيد ضد “داعش” والتطرف، وهذا منظار روجه السيسي نفسه، لكن في واقع الأمر تهور نظام السيسي يجعله حليفاً غير جدير بالثقة، وأساليبه القمعية تزيد من خطر نمو البديل المتطرف.
وماذا عن رؤيتكم لمواقف دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات؟
موقف هذه الدول في تقديري لا يعكس مواقف شعوبهم أو تساند مصالحهم. كيف يمكن لنظام يقتل شعبه أن يكون نظاماً ينتج الاستقرار؟ إن منطقتنا متشابكة وما يحدث في مصر لا يمكن مؤازرته دون أحداث عطب في دول الخليج نفسها. لقد اتبعوا سياسة مضللة تقوض من مكانتهم وتستقطب المنطقة؛ لذا عليهم إعادة النظر في موقفهم وفتح الباب لبديل في مصر متحرر من العسكر وسياساته القمعية التي تهدد الاستقرار والجهات الإقليمية كلها.
هل ترون أن المعركة صفرية أم أنها قابلة للحل السياسي؟
هناك مبادئ أساسية للثورة لا تفاوض فيها، منها عودة الجيش لثكناته وعودة الشرعية والقصاص العادل. فحين تسألني إن كانت هناك مساحة لحل سياسي؟ يكون ردي: إن كنت تقصد مع نظام السيسي الملطخة يداه بدماء المصريين، يكون جوابي قطعاً لا. وإن كان سؤالك: هل هناك مجال لمصالحة وطنية مع من عرف أخطاء موقفه السابق، ولم يمارس العنف ضد إخوته المصريين؟، أجيب بأنه من الممكن أن نبدأ بمشروع مصالحة وطنية مع هؤلاء، وفصل جديد في تاريخ شعبنا، وعقد اجتماعي جديد لبلدنا.
كيف ترون مستقبل الحراك الثوري.. وهل انتهت فرص المصالحة للأبد؟
الثورة قائمة الآن، فنحن إذاً نتحدث عن الواقع. إن سرعة وكثافة الحراك هي التي ستحدد موعد سقوط النظام، لكنه سيسقط لا محالة. نحن لا نهيئ لمبادرة مع النظام، بل نحن نهيئ لنجاح الثورة مهما طال أمد المقاومة. علينا جميعاً أن نتقصى المصالحة الوطنية فمن دونها لن نحقق أهداف ثورتنا. لذلك أي مبادرة نعمل لها هي مبنية على توحيد صفوفنا في صراعنا المشترك لإزاحة هذا النظام، والوصول إلى توافق وطني حول كيفية تحقيق أهداف الثورة.
هل حدث أي تواصل سابق أو حالي بينكم وبين النظام؟
لم يحدث، فأيدي هذا النظام ملطخة بدماء المصريين، ولم يحدث أي تواصل مع هذا النظام أو بيننا وبين أي وسطاء له على الإطلاق.
من وجهة نظركم، إلى أين تتجه الأوضاع؟
في الغالب سنرى استمراراً في استخدام السيسي للقمع والتنكيل، رغم أنه يبعث بإشارات إلى المجتمع الدولي بأنه يفرج عن بعض الأفراد وأنه يعقد انتخابات برلمانية. لكن كل هذه إجراءات سطحية لا تغير من حقيقة طابع النظام الذي سيستمر في إرهاب مواطنيه وتوطيد الفساد، ويستمر في إضعاف مؤسسات الدولة لانعدام الإصلاح والتنمية.
والحالة الإقليمية ستظل ملتبسة، ومن الممكن أن يزيد التساؤل من البعض عن مستوى الدعم لهذا
النظام، خاصة إن لم يتقبل مطالب مؤيديه دون شروط، فبعضهم بدأ يشك أنه أصبح عائقاً لمصالحهم.
كما أن ازدياد خوف المجتمع الدولي من التطرّف والعنف في بلادهم سيكون نتيجته انقسام في الرأي بين صناع القرار. بعضهم سيصر على تأييدهم للنظام بينما البعض الآخر سيبدأ في التساؤل عن صحة سياساتهم.
علينا إذاً أن نتحرك من منطلقين، هما الاستمرار في المقاومة حتى يسقط النظام، وهو سيسقط لا محالة. وعلينا في الإطار الدولي أن نكثف من ضغوطنا وبث رسالتنا التي تقول إن لم ننه الديكتاتورية العسكرية ونخلق مناخاً سياسياً حراً ومنفتحاً في مصر، فإن مصالح هذه الدول ستكون مهددة. وهذه حالة لا تريدها مقاومة سلمية استمرت 18 شهراً.
برأيكم، كيف يمكن حل الأزمة السياسية والخروج منها؟
نؤكد أن الأزمة السياسية الحالية لا حل لها، حتى ينسحب الجيش من الساحة السياسية، وتتفق القوى السياسية جميعها على العمل من أجل وحدة وطنية وتتقبل الديموقراطية وسيلة للتغيير السياسي.