بقلم / سمير العركى
ورد فى صحيح مسلم وغيره قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو أبصر ما تقول، قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك.
فى هذا الحديث استطاع عمرو بن العاص بعبقريته المعروفة أن يلخص خمس خصال فارقة يتميز بها الروم ( الغرب عموما الآن ) ففيهم الحلم ، وحسن التعامل مع المصائب ، وسرعة الانتقال من حال الهزيمة ، ورعاية اليتيم والضعيف ، وإقامة العدل الذى يمنع من ظلم الملوك وهى خصال مشهودة فى الغرب الآن .
هذه الخصال التى أشار إليها عمرو بن العاص – رضى الله عنه – لا تكاد تعثر عليها بالعين المجردة فى بلادنا فما من فتنة تحدث إلا وتجد سفهاء العقول والأحلام يتولون تشكيل الوعى الجمعى للمجتمع ولا يتورعون عن بث كل ما من شأنه تأجيج الفتنة وتوسيعها لتأتى على الأخضر واليابس .
فمن يتابع الحالة الهستيرية التى عاشتها مصر بعد الهجوم الدامى الذى أودى بحياة العديد من أبناء مصر ضباطاً وجنوداً فى كرم القواديس بسيناء يدرك أن مصر قد فقدت رشدها وأنها مقبلة على أيام صعبة وما ذاك إلا نتيجة طبيعة لتسليم تشكيل الرأى العام لمجموعة من الموتورين .
ففور وقوع الحادث انطلقت الأبواق الإعلامية غير البرئية تطالب ضرورة التهجير الفورى والقسرى لأهالى سيناء من أجل القضاء على الإرهاب ، وشاركهم فى ذلك مجموعة ممن يسمون بالخبراء الأمنيين والاستراتيجيين والذين لا يقلون عنهم سفاهة وضياعا للعقل والمنطق .
وجرى توظيف المأساة توظيفاً سياسياً غير برىء فتم الزج باسم حماس وقطاع غزة دون انتظار لأى تحقيقات من المفترض أن يكون قد تم البدء فيها !!!
كما شاهدنا وسمعنا مذيعاً بإحدى الفضائيات يصرخ بأعلى صوته مطالباً بجثث من أسماهم بالإرهابيين وأعلن بوضوح أنه لايريد تحقيقات ولا محاكمات إنما يريد جثثا وفقط !!!!!!
فأى مستقبل هذا الذى ينتظر مصر ، ووعى شعبها يتم تشكيله عبر هذه النفايات والقاذورات التى تهيىء المجتمع إلى مرحلة الاحتراب الأهلى والتى يبدو أنها باتت على الأبواب خاصة بعد تقنين عمل البلطجية تحت مسمى الشرطة المجتمعية .
والغريب أنه رغم كل هذا التشنج والصوت العالى لم نسمع صوتاً يطالب بمحاكمة المسؤولين الرسميين عن هذه المأساة الذين أهملوا فى تدريب الجنود والضباط وتركوهم نهباً للقتل والقنص فى صحراء مترامية الأطراف ، ومن ينظر إلى هيئة الجنود والضباط المتواجدين فى سيناء ونظرائهم المتواجدين أمام الجامعات وفى ميادين التظاهرات يدرك الفرق جيداً بينهما من حيث التسليح والاستعداد القتالى !! وهو فرق يعكس لنا نظرة السلطة الحالية إلى مواطن الخطر الحقيقية التى تتهدد الوطن .
كما أن حالة التشنج التى أصابت الإعلام المصرى منذ وقوع الحادث لم يسمح للرأى العام بالاستماع إلى إجابات واضحة وشفافة لأسئلة منطقية تملأ فضاء مواقع التواصل الاجتماعى وتسيطر على عقول الشباب باعتباره المستخدم الأكبر لهذه المواقع ….
أولاً .. لماذا لم تنشر وسائل الإعلام صوراً حية وواضحة من موقع التفجير ؟ ولماذا سارعت الأجهزة الأمنية إلى قطع الاتصالات عن سيناء فور وقوع الحادث ؟
ثانياُ .. لماذا لم يتم دعوة أجهزة الإعلام المختلفة إلى موقع الحادث ؟ والاستماع إلى روايات شهود عيان مختلفين قطعاً للشك باليقين ورداً على من يقول بأن هؤلاء الجنود لقوا حتفهم فى ليبيا وليس فى سيناء وتم نقلهم إلى هناك وتدبير هذا الانفجار الوهمى !!
ثالثاً .. الروايات التى صرحت بها مصادر أمنية مختلفة تؤكد أن ما حدث لم يكن مجرد عملية إرهابية بل كان عملاً عسكرياً شديد الدقة والتخطيط واستطاع منفذوه السيطرة التامة على مسرح العمليات واستخدام العديد من وسائل الهجوم سواء كانت عربات مفخخة أو أسلحة ثقيلة أو زرع عبوات ناسفة على الطرق السريعة وسط غياب تام لعناصر الجيش وقواته .. والسؤال هنا لماذا لم تتم محاسبة المسؤول عن هذا الإخفاق سواء على مستوى جمع المعلومات الاستخباراتية أو على مستوى تدريب الجنود والضباط ؟ وبدلا من تشكيل لجنة محايدة ( عسكرية ومدنية ) للتحقيق فى الحادث وإعلانه بكل شفافية للرأى العام وإحالة المسؤولين والمقصرين إلى محاكمات عاجلة ، يخرج علينا بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة مبشرا بأنه تم تشكيل لجنة من كبار لاستخلاص الدروس المستفادة !!!
رابعاً .. لماذا الإصرار على عدم إطلاع الرأى العام على الخطوات التى ستتخذها السلطة الحاكمة للتعامل مع هذه الكارثة ؟ والاكتفاء بعبارات إنشائية مبهمة ..
خامساً … أين نتائج التحقيقات فى كل الحوادث المشابهة التى حدثت بسيناء ؟ ولماذا لم يتم إعلانها للشعب المصرى ؟
أسئلة كثيرة ومشروعة يتم إخفاؤها عمدا تحت سحب قنابل الدخان المتصاعدة من شاشات الإعلام والتى تريد حرمان الشعب المصرى من حقه فى المعرفة والمحاسبة .
فهل يتداعى العقلاء لإنقاذ مصر أم تظل البلاد أسيرة لمجموعة من السفهاء والموتورين ؟!!